الخميس، 6 مايو 2010

الجودة الشاملة وأزمة الهوية




الجودة الشاملة....وأزمة الهوية!

في الأونه الأخير كان الحديث منصبٌ في المؤسسات حول ما يعرف بالجودة الشاملة،وكثير ما نسمع في " اطار الجودة الشاملة علينا... وعلينا...". ويبقى السؤال البديهي و ما هي الجودة الشاملة على الأقل في مجالنا في ميدان التربية والتعليم؟!.
سرعان ما قد يقول البعض التعريف لكل شيء هي صفة المجتمعات الغربية.وبعض المفاهيم من البديهيات بحيث لا تحتاج لتعاريف. ولكن أليست الجودة الشاملة إحدى صادرات الغرب لنا؟! هي في حد ذاتها مفهوم مستوردٌ من الحضارة الغربية.

وحتى لا نتشعب كثير بحيث نخرج عن الهدف من كتابة هذا المقال فسنعرف الجودة الشاملة للتربية والتعليم كما عرفتها وزارة التربية والتعليم بالسلطنة في اصدارتها الرسمية: (هناك مبدآن يميزان معظم المحاولات التي تتم لتعريف الجودة الشاملة في التعليم ويحدد المبدأ الأول: بالتنمية المعرفية للمتعلم باعتبارها هدف محدد و واضح لجميع الأنظمة التعليمية. أما المبدأ الثاني: فيُركز على دور التعليم في تعزيز القيم والاحتياجات التي يقتنع بها أفراد المجتمع،مع ما يصحب ذلك من تنمية للمهارات الإبداعية والمشاعر الوجدانية. وهناك أيضًا قواسم مشتركة من الأهداف التي يشترك الكثيرون فيها على نحو واسع والتي تميز المناقشات التي تدور حول مفهوم الجودة الشاملة:الاحترام لحقوق الفرد،تعزيز المساواة في الحصول على التعليم وفي تحقيق مخرجات التعليم،وزيادة ارتباط التعليم باحتياجات الفرد والمجتمع)(1)

وإذا جئنا لهذا التعريف فسنجد أننا في الجودة الشاملة نعنى بتحقيق مبدأين وهما:-
1. التنمية المعرفية للمتعلم.
2.دور التعليم في تعزيز القيم والاتجاهات التي يقتنع بها أفراد المجتمع.

و مشكلة الغرب الحقيقية مع الشرق فيما يخص وضع التعاريف أن ليست كل التعاريف ستأتي لصالح الحضارة الغربية إذا أُريد لها أن تطبق خارج الحدود الجغرافية لمجتمعات ما يعرف بالعالم المتحضر..

ما يهمنا في هذا المقال هو أن المبدأ الثاني لم يجعل الباب مفتوحًا على مصراعيه في ما يخص تعزيز القيم و الاتجاهات بل حددها بأنها تلك القيم والاتجاهات التي يقتنع بها أفراد المجتمع.إذًا فالقيم والاتجاهات التي ننطلق منها في جهود تطبيق الجودة الشاملة هي تلك القيم التي نقتنع بها كمجتمعات.

قناعات أفراد المجتمع هي ناتجه عن تراكمات ما أخذ الخلف عن السلف، هي دوامه يديرها الزمن و تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل،سنةُ الله في الأرض.

المشكلة الحقيقية في مجتمعاتنا الآن والتي إذا لم نتنبه لها سريعًا ونضع حلاً لها ستضعنا في هاوية ألا وجود،المشكلة هي:- قيمنا باتت في خطر!!!

و رغم أن هذا المشكلة ليست خاصة بنا فقط بل هي ظاهر عالمية تهدد جميع المجتمعات، فهذا هو "كويشيرو ماتسورا" الأمين العام لمنظمة الأونيسكو يقول: ((هناك فكرة شائعة جدًا بأننا اليوم نجتاز أزمة قّيم. ويخشى كثير من المراقبين انحاط كل ما يعطي معنى عميقًا لأعمالنا ولحياتنا،فيعزون هذا التراجع إلى ازدهار العولمة التي تحصر اهتمامها بالتطور التقني،وبالتالي تبدو مغرقة في مادية تخلو من أي روح،وغير قادرة على توجيه أعمالنا،ولا تقيم أي وزن للقّيم.كيف وصلنا إلى ما نحن عليه؟!))(2)

ونحن والحمدلله أفضل أحالاً من الوضع الذي يتحدث عنه "كويشيرو ماتسورا" لا زلنا - إن امتلكنا القناعة والاحساس بهول المشكلة- لازلنا نستطيع أن نتداركها.

فلُب المشكلة التي نتحدث عنها هي أزمة الهوية ففقّد الشاب إحساسه أنه جزء من روح المجتمع الذي يعيش فيه ويتفاعل مع أفراده،بثقافته ومعتقداته في أدق تفاصيلها من لباس وغذاء وفنون ولغة،و وصولا للمؤسسات وتطبيق القيم الأخلاقية.
ويرى عالم الاجتماع بيرك في حديثة عن الهوية والفضيلة المدنية ((أنه يمكن تأمين الحاجات الأساسية بواسطة المجتمع فقط.ويتوقع كل فرد تدعيم تلك الفضائل المدنية المرتبطة بما له من حقوق.وجانب مما متضمن في هذا الفهم هو أن المجتمع المؤسس على نظام القدرات الطبيعية لكل شخص فيه دور يؤديه.وما يساعد على تأكيد الالتزام بتحقيق هذه الأدوار هو أن الأفراد أنفسهم بوصفهم أنهم مرتبطين تماما-بطرق مألفوفه- مع الآخرين الأصدقاء والجيران.وأكثر من ذلك الإحساس القوي بالالتزام الديني فضلا عن توطيد شعور المرء بالمجتمع مع الآخرين،والذين يشكلون دورًا متكاملاً من حياة المرء.وفي هذا الوضع،يشعر الناس أن ذاتهم جزءًا من النظام الطبيعي للمجتمع))(3)

فالمجتمع هو أساس الإحساس بالذات فلا يمكن للفرد أن يحس بذاته إلى من خلال المجتمع الذي ينتمي له،ولن تحقق هويته إلا من خلال دور يقوم به لذلك المجتمع الذي يعيش فيه،ولن يستطع المرء بأن يكون عضوًا فعالا ملتزمًا ومستمرًا في الالتزام بمقتضيات الهوية إلا بمساعدة أمران:-
1.الالتزام الديني وهو الأساس،فبالالتزام الديني تعطى الأعمال المقدمة للمجتمع قديسة تربطها بحياة أُخرى لا ظلم من أي نوعٍ فيها. فالمرء من منطلق الالتزام الديني عندما يخدم المجتمع لن يمتنع إذا قُبل بتهميش أو انكار المجتمع له، فحقوقه مضمونه له عند رب العرش وكلما زاد الظلم الاجتماعي له كلما تأمل في عطاء أكثر في حياة أخرى،الملتزم دينًا هو أقدر إنسان على خدمة المجتمع واعمار الأرض دون مقابل دنيوي،وهو لن ينتظر حتى يكلف من قبل قادة المجتمع بمهمة معينة سنجده يبحث عن سُبل خدمة المجتمع لهدفٍ سامي مرتبط بالسماء،بدءً بإزاحة الأذى عن الطريق.وهنا يظهر أن الالتزام الديني الفعال اجتماعيًا وهو بالطبع ليس التصوف ولا الاعتزال ولا التطرف الذي يولد نبذ لأفراد المجتمع بل هو الالتزام المتأصل في أن الحياة دين ودنيا وتسامح.
2.الارتباط بالآخرين في المجتمع، وهذا الارتباط في وجود الالتزام الديني لن يجعل في المجتمع من مكان للتصوف أو الاعتزال أو التطرف كما سبق أن أشرنا لذلك فالتفاعل مع أفراد المجتمع أساسه المحبة فكيف سيكفر ويقتل ويخرج الناس من المله من يحبهم.هذا التفاعل المبني على أساس المحبة يجعل الملتزم الديني عضو فعال في المجتمع،وهو أي المجتمع أساس الفعالية للملتزم الديني.

لا يملئ فراغ الروح ويحقق الهوية شيء مثل الدين وحب الآخرين،وهما مرتبطان ببعض بطريقة لا يمكننا تجاهلها،وحتى ننشر ثقافتنا الدينية المتسامحة فنحن بحاجه إلى شجعان العقول وكما قال أمير الشعراء

إنَّ الشجاعةَ في القلوبِ كثيرةٌ ووجدتُ شجعانَ العقولِ قليلا
إنَّ الذي خلقَ الحقيقةَ علقماً لم يُخلِ من أهلِ الحقيقةِ جيلا

ولا بد أن عماننا الحبيبة تنتظر من مؤسساتها التربوية والثقافية،وأبنائها المثقفين دورًا رياديًا في إنقاذ الاجيال القادمة من هاويتي الأفراط والتفريط، إنها تنتظر جهود جادة في نشر قيم المجتمع المبنية على أساس الثقافة الإسلامية المتسامحة.



الهوامش:-

1- وزارة التربية والتعليم بسلطنة عمان:من الانطلاقة إلى النجاح التعليم للجميع في سلطنة عمان 1970م-2005م،وزارة التربية والتعليم،مسقط،2006م،ص71.
2.جيروم بندي،ترجمة زهيدة درويش جبور و جان جبور:القيم إلى أين؟،دار النهار،بيروت،2005،ص12.
3. ستفين م.ديلو،ترجمة:د.فريال حسن خليفة:-التفكير السياسي والنظرية السياسية والمجتمع المدني،ج1،مكتبة مدبولي،القاهرة،2008،صص202-203.