الاثنين، 5 يوليو 2010

للاعصار و جوه متعددة

















في ظفار قبل سنة سبعين كانت هناك للبشر حسابات تأريخية تؤرخ السنون مقرونة بالكوارث،فنسمع أن هذا ولد سنة ألحيمر وذاك سنة الغريقة،وأذكر وأنا طفلة مررنا على منطقة الوادي في صلالة " في طريقنا لمستشفى السلطان قابوس لنوصل جدتي رحمها الله للمستشفى فانتفضت وهي تشاهد الحركة العمرانية في منطقة الوادي في صلالة و قالت بصوت عالي: هل هؤلاء مجانين ليبنوا هنا؟! لو جاء لحيمر ثاني لن يبقى منهم أحدا !! وأردفت ألم يكفهم أنهم بنوا بيوتهم في الدحقة[1]، لا ينقصهم سوى أن يبنوا في البليد!!
ولحيمر و هو أقوى إعصار عرفته ظفار مرَّ حسب رواية جدتي التي أثق في روايتها مرّ دون أن يموت شخص واحد على اليابسة!! والسبب حسب رأيها أنهم رغم أميتهم إلا أنهم أذكى منا فهم لا يصارعون رب العالمين ولا يلقون بأنفسهم للتهلكة!! وقد استغربت واستنكرت قولها لا يصارعون الله،فسألتها ماذا تقصد بذلك؟! فقالت: هناك من يصرون على أن يصارعوا الله وذكرت اسم امرأة، وقالت أن هذه المرأة والريح عاتية كان زوجها يحاول أمساك خيمته وتثبيتها!! فصرخت فيه دعها فلن تقدر على رب العالمين فهو مجريها!! فقال لها:وهو أيضا يجريني! فردت عليه:بل يجريك حمقك حيث تركت الأماكن كلها ونصبت لنا الخيمة في أرض لا نتقي بها الريح والمطر!!!
هذه الأعاصير و لله الحمد ليست شرا مطلقا،بل هي نعمة من رب العالمين في زمن أصبح المخزون المائي فيه شحيحا والمستقبل في كثير من دول الخليج ينذر بدق ناقوس الخطر في تلك المناطق،و لأن مشيئة الله أرادت لوطننا المعطاء عمان وافرا مائيا سنلمسه ونشكر رب العالمين عليه قريبا،جاءتنا تلك الأمطار.
يقول لي أحد كبار السن لقد أراد الله لنا فرجا فقبل الحيمر كانت كثير من العيون في ظفار على وشك أن تجفَّ و كنا ندعوا الله دائما ربنا غيثك وفرجك و رحمتك،فجاءت قطرة المطر كأنها حجر وسُقيت الأرض وتفجرت العيون وسالت الأودية وكانت سنة خير رغم كثرت الخسائر المادية!

الفرق بين النعمة والغضب:

جدتي كانت تصف ألحيمر على أنه نعمة عظيمة من رب العالمين للأرض العطشى،وتصف البليد بأنها غضب من رب العالمين!!
رغم أن كلاهما مطر وعاصفة؟!
في فكر جدتي يصبح المطر غضب ونقمة لو أغرق مدينة بأكملها كما حدث لمنطقة البليد أو كما تسميها جدتي وكل سكان الجبال في ظفار"حرقم"،لم أذكر أن جدتي إلا و كلما ذكرت أهل البليد "أهل حرقم" تنهدت وقالت:الله يرحمهم كانوا كرماء وتضيف من شدت كرمهم تنازعوا على أحد الضيوف فأخذ كل طرف يسحب يده قائلا هو ضيفي و يقول الأخر بل ضيفي أنا حتى فصلوا يداه عن جسده ومات بينهم فأمرهم شيخهم بأن يبني كل شخص مسجد عند بيته ، فالضيف إذا دخل مسجد يكون ضيف صاحبه دون نزاع ولذلك عرفت "حرقم " كما تقول جدتي بمدينة المساجد!!!
فلماذا يا جدتي أغرقت مدينة المساجد والتهمتها الأرض بسكانها؟! لدى جدتي جواب سريع لهذا السؤال:تقول لقد كفروا بالنعمة كانوا يصنعون محارم الحمامات من القمح!!والمطر أيضا نعمة يجب أن لا نكفر بها بل لابد أن نحمدالله عليها.
يجب أن نقف عند من يجريه حمقه!!
تذكر جدتي أن تلك المرأة طلبت الطلاق من زوجها الذي يجريه حمقه!!
أليس من الواجب بعد زوال "فيت" برحمة من الله تعالى للأرض العطشى أن نحاسب كل من يجريه حمقه فيظهر و كأنه يصارع رب العالمين، لو كنا عقلانين و منصفين وثقتنا بالله كبيره وايماننا صادق فلن نسئ الظن بالله ولن نصور الله غولا يأكل خلقه بل سنقول الله رحمنا برحمته وله علينا حق الشكر والطاعة،ولكن أيضا له علينا أن نقف وقفة مراجعه لأولئك الذين أجراهم حمقهم فوضعوا الناس في مجرى السيول دون تصريف للسيول،متحدِّين الله وغير آخذين بالأسباب!!
هذه الأرض خيره وتعبد ربا كريما،وشعبها يعشق المطر ويكره المتخبطين،كنت أعتقد ولازلت على يقين أني سأسمع عن وقفه جادة تقوم بها حكومتنا الرشيدة من خلال دارسة علميه شفافة حول أخفاقات وزارة الإسكان وكل من له علاقة بتخطيط المدن و البلديات والطرق والصرف الصحي والسدود والمناقصات،فعذرا فقد أظهرالاعصار بعضا ممن لا نشكك في ذممهم و حبهم للوطن بمظهر المتخبط والمسيء في التخطيط والتنفيذ و الادارة في تخطيطهم للمدن والمرافق العامة وليعذرونا هنا إن كان الحديث صريحا بعض الشيء فلقد عشنا أخطاء فادحة أزهقت أرواح وعندما تصل المسألة لهذا الحد يصبح مثل هكذا حديث واجبنا جميعا فهذا نهج الحوارات المفتوحة التي امتازت به نهضتنا الحديثة بقيادة مولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله ورعاه.
المسألة ليست دفاع مدني وكهرباء:-
لو قارنا عدد الخسائر في الأرواح من جراء الأعاصير التي هي من الله،وعدد الخسائر في الأرواح من جراء أنفسنا كحوادث السيارات لعرفنا يقينا ما معنى إن الله روؤف رحيم! فإذا كان "فيت" قد حصد 16 شهيدا ماتوا غرقا فإن حوادث السير قد حصدت عشرة ألاف وسبعمائة وستة وثلاثون حالة وفاة واصابه العام الماضي والسلطنة مصنفه الخامسة عالميا في حوادث السير!!!!
جهاز الشرطة والدفاع المدني والقوات المسلحة بكل رجالاتها و كل المواطنين والمتطوعين في المناطق المتضررة لهم منا كل تحية شكر وإجلال وعرفان لمواقفهم الشجاعة ولما قاموا به من جهد.
أولئك الذين أثار الحبال لا تزال على أجسادهم منذ جونو وحتى فيت،أولئك الذين ضحوا بأرواحهم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر إعصار جديد كل أولئك جنود وضباط و مواطنون أثبتوا أن هذه الأرض أرض الصمود والعطاء فلهم منا كل إجلال وتقدير.
لكن القضية أكبر من مجرد دفاع مدني وانقطاع كهرباء إنها باختصارالدفاع المدني يدفع ثمن أخطاء جهات أخرى كما يدفع المواطنين كذلك الأرواح بسبب سوء تخطيط وسوء تنفيذ،فهل سنستمر في غض الطرف عن أولئك؟!


للأعاصير وجوه يجب أن نعيها:

للأعاصير و جوه متعددة،فهناك وجه يرينا هنا أخطأ المخططون و هنا أصاب المنقذون وهنا أخطأ المواطنون وهنا جميعا قصرنا،الله ليس شماعة نعلق عليها إخفاقاتنا المتتالية وسوء تخطيطنا و تخبطنا أو تهورنا وسخريتنا بالقدر.لقد أحزنني أن البعض صور الاعصار على أنه غضب من الله علينا وأن الله يعاقبنا لذلك أرسل علينا الريح والمطر و رغم أني أعلم علم اليقين حسن نية أولئك وهدفهم من مثل هكذا قول،أعلم أنهم يريدوا أن ييقظوا الضمائر ويحركوا الإيمان في النفوس،وهذا اجتهاد لا يأخذون عليه حتى وإن أحزننا ولكن لم يكن يليق مثل هكذا قول في مثل هكذا وقت!!
لقد نزلت بنا نعمة من الله فكيف نجحد نعمة الله و نصورها نقمة وعذاب وبطش؟!
ثم كيف نتنصل من أخطائنا بتقديم عذر سطحي يريح المتخبطين ويجرح أولئك الذين مات أقاربهم وهدمت منازلهم واقتلعت أشجارهم وجرفت ممتلكاتهم! كيف نقدم رد سطحي ونقول هذا غضب من الله حل بكم أنتم بالذات؟! لقد قسوا أصحاب هذا القول دون قصد لاشك وتغاضوا عن إخفاقات كثيرة بحسن نية كما نجزم!!
الشفافية والعقلانية مطلبنا:
نريد الشفافية و العقلانية في تحليلنا لما يحدث،وفي طرحنا للأمور،ولأن الشفافية هي المطلوب نريد قيادات جديدة تدير الأزمات ولقد استبشرنا خيرا بالمرسوم السلطاني ونرجو من القائمين على تنفيذه أن يكونوا جديرين بالثقة السلطانية الكريمة،ومنهم نأمل أن لا تضيع تلك الدماء هدرا و أن تفتح الملفات ليس للتشهير والعقاب والتجريح بل للتقييم وتقديم الأخطاء الحقيقية و إعلانها دون مسميات أو مساس بأحد، فقط لتلافيها وعلاج ما يمكن علاجه،ولتقديم وجوه قيادية جديدة قادرة على التنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها وتقديم الحلول وتكون صمام أمان لوطننا الغالي.
نحن دولة مؤسسات ونحن شعب يملك ارثا حضاريا نحن أحفاد أمبراطورية ولقد من الله علينا بنعمة المطر في وقت جدب وجفاف ولكنا لن نعفي أنفسنا عناء السؤال و الجواب
هناك أسئلة بسيطة لا بد لها من إجابات :

من وضع بيوت الناس في مجرى السيول؟
لماذا لم نستفد من جونو؟
هل هناك مشاريع لم تطبق بجوده عالية وتسببت في زيادة الفيضانات؟
هل هناك مشاريع أجل تنفيذها بسبب غير منطقي لو نفذت لأنقذت أرواح؟
هل هناك مشاريع أخرى لو أتى إعصار أخر لأدى انهيارها لكارثة ويجب فحص جودتها من الآن؟
هل هناك من يجب أن يحاسب؟
وهل هناك من يجب أن يكافئ؟
و هل هناك من يجب أن يقال له وداعا؟
إن ربنا هو الكريم الغفور الرحيم يحق له معاقبتنا فنحن المخطئين الذين لسنا في غنى عنه وعن رحمته وهو غني عن عباده،لكنه خلق لنا عقول و جعلنا خير خلقه وعندما يهمل بعض المخططون والمنفذون للمشاريع عقولهم سنقول لهم لن نعلق أخطائكم وأخطائنا على القدر ونهدي لكم ولنا الحل السهل ونقول ذاك عقاب من الله،بل سنقول : المطر نعمة من الله أرسلها لتسقي الأرض العطشى وترينا سوء تخطيطنا وهشاشة بعض مشاريعنا ولتقل لنا عقلكم هي النقمة التي حلت بهذا الوطن وهذا هو الصحيح!!! فهل لدينا الجرأة لنعترف بذلك؟! فالاعتراف بالخطأ هو الخطوة الأولى نحو علاجه ،فدعونا نعترف هنا بيننا متخبطين و فاشلين ومتشائمين وسطحيين يجب أن نقول لهم عند هذا الحد من النزف انتهى دوركم و عمان باقية.





[1] (دحقة صالح في صلالة هي الأرض التي بقيت بها أثار خف ناقة النبي صالح المعقورة وهي أرض خصبة ومجرى للسيول،و منطقة كوارث تاريخيا )