الأربعاء، 9 فبراير 2011

الفيروس القادم من الخضراء


الفيروس القادم من الخضراء.....

قبل أحداث تونس كتبت مقالا تحليلا لضرب إسرائيل لسفينة الحرية التي قررت كسر الحصار على غزة و نشر ذاك المقال في صحيفة القدس اللندنية وفيه قلت "لقد أصبح الشاب العربي بفضل المقاومين يشعر أنه بإمكانه أن يحرر وأن يصمد و أن يغيّر، لقد حرر المقاومون الشباب من عقدة الخوف وعدم تكافؤ موازين القوى التي زرعها الخطاب السياسي في نفوس أجيال وأجيال من الشباب العربي. لقد عادت روح الأمل للأمة العربية، لقد عادت الشعارات، لقد عادت الأحلام، لقد أصبح الشباب يلغون من أجندتهم الحكومات ويجتمعون يفكرون يحلمون يخططون لنهضة الأمة. لقد تغير الخطاب، لقد عاد النهر للجريان، لقد أصبحت الكرامة والكبرياء شرطين أساسيين كالخبز..المارد العربي قد يستيقظ" و قد علق أحد القراء على المقال أي مارد عربي هذا الذي تتحدثين عنه يبدو أنك أردتي القول المارد التركي و قد كنت على يقين المتمعن في الأحداث أنه المارد العربي من جيل الشباب هو المارد الذي استيقظ.

أولائك الشباب الذين لم يخرجوا بأيديولوجية معينه أو تحت عباءة حزب أو مذهب أو تيار أو طيف،لأنهم أدركوا أنّا " مقتلون بين ترف العلماء و ترف الساسة" -و هذا مقالا أخر نشرته أيضا في القدس- هم المارد، وقد دار بيني و بين أحدهم حوار حول رأيي في أن هناك رياح تغيير قادمة في الوطن العربي و أذكر إني قلت له ترقب قريبا مصر و تونس و الحق أني توقعت أن تسبق مصر تونس ولكن الخضراء - تونس- كان لها السبق.
و دعونا نعود لما يحدث حاليا في الوطن العربي وهو مرشح لإجتياح دول عربية أخرى، هناك حاله من الغليان الشعبي لدى فئة الشباب خاصة على الرؤساء العرب في أغلب الدول العربية و لدى هؤلاء الشباب مآخذ قاتله على الحكومات:
أولها: الفساد المالي و الإداري.
ثانيا: التدهور الاقتصادي و الذي ترتب عليه مشكلتي البطالة و الفقر.
وثالثا: غياب الديمقراطية و تهميش الشعب و الاستئثار بالسلطة.
رابعا: سياسة القهر المتبعة من خلال الأجهزة الأمنية و النافذين في السلطة.
ثم إن هناك أمر غاية في الأهمية الرؤساء العرب حقيقة و قعوا ضحية أمرين:
أولا: البطانة السيئة، والتي صورت لهم الأمور أنها على ما يرام و استحوذت على المقدرات و القدرات لتصبح حكرا عليهم و على المقربين منهم.
ثانيا: الحكومات الهرمة و التي طبعا عاجزة عن التجديد و المنفصلة عن طموحات الشباب و تطوير البلاد، الوزراء الهرمين هم من قتلوا تاريخ الكثير من الحكام العرب و فصلهم عن جيل الشباب من أمتهم.
العبرة من بن علي و مبارك:
اتخذ الرئيسان بن علي و مبارك بعد احتجاجات الشباب العديد من القرارات الإصلاحية التي لو اتخذت قبل ذلك لكانت كفيلة بأن يسجل التاريخ للرجلين كأهم مصلحي و زعماء الوطن العربي،ولكنها أتت متأخرة ففقدت أهميها أتت بعد انعدام الثقة و خروج الأمور عن مسارها الصحيح، فهناك الكثير من الأمور خرجت عن السيطرة. لقد تمثل الفساد -من وجهة نظر الشباب و ربما غالبية الشعب- في شخوص معينة و الأمر هنا غير مثبت فلم تتم محاكمات أو استجوابات من أي نوع أثناء فترة و جودهم في السلطة لنفي تلك الشائعات أو لإثباتها فأحمد عز و الطرابلسي ظلا على رأس الهرم حتى و قع الزلزال، ولكن بن على و مبارك حاولا جاهدين إرضاء الشعب من خلال إقصاء الاثنان و غيرهما ممن جسدا الفساد و الدكتاتورية في أذهان أجيال من الشعب.كما أنهما أبديا استعدادهما الكامل لعمل تغييرات تعمل على توسيع المشاركة الشعبية و الحريات السياسية و الشخصية و حريات التعبير و غيرها من الحقوق التي يفترض أن تضمنها أي حكومة لشعب حر.

عموما الملاحظ هنا أن الحالة تتكرر و أن الزعماء العرب لم يستطيعوا التنبؤ بمزاج الشباب العرب هذا بالنسبة لبن علي وربما لمبارك فقد اعتقد أن مصر تختلف،ولكن بقية الحكام ماذا ينتظرون؟!
هناك ملاحظة أخرى مصر جمهورية و تونس جمهورية فهل هذا يعني أن الدول ذات الحكم الوراثي في منأى عن مثل هكذا احتجاجات؟
لا اعتقد ذلك،دول الخليج و الأردن و المغرب هذه الدول الأسر الحاكمة فيها اكتسبت شرعية من العرف الاجتماعي لتلك المجتمعات كما أنها صنعت لها تاريخا وطنيا و كثير منها أرتبط ظهورها بتلك الأسر التي عمل مؤسسيها وكثير ممن تبعهم على صناعة ذاكرة وطنية جديرة بالاحترام،ولكن هل سيبقى الحال على ما هو عليه؟ وهل سيظل الاحترام مستمرا؟
الأمر يتعلق بالإجابة على عدد من الأسئلة:
هل تخلصت تلك الأسر ممن يرمزون في أذهان الشعب للفساد؟
هل طعمت مجالس الوزراء بالجديد من الدماء الشابة التي تفهم مطالب و تطلعات الشباب؟
هل أقرت القوانين و التشريعات التي تجعل الشعب يساعدها في الإصلاح و محاربة الفساد من خلال المجالس البرلمانية الحرة و الفعالة و مؤسسات المجتمع المدني؟

ولا أخفي عليكم أني بدأت أخاف من المستقبل.و أسأل نفسي هل سيسمح بتشويه تاريخ عريق لأجل جماعة المنتفعين؟!
لقد خرج مبارك ليقول أنّا .. وأنّا... وأنّا... ولكنه تحدث عن الماضي و الشباب يهمه حاضره ويسعى لصنع مستقبل أفضل إن أعضاء من مجلس وزرائه وأسرته دمروا تاريخه الذي به الكثير من المواقف المشرفة و الشجاعة،دمروا حتى خطابه الوداعي المؤثر بنزول البلطجية!!
لا أعرف كيف سمح لهم أن يقصوه من قائمة أبطال حرب أكتوبر ليضعوه في قائمة من سترفع عليه قضايا كمجرمي حرب؟! لقد دهست السيارات الناس المسالمين وأطلق الرصاص الحي على المتظاهرين سلميا.
فكم يا ترى من الزعماء العرب ينتظرون نقلهم من قائمة لأخرى؟! وكم من الأذناب ينتظرون الانقضاض على السلطة؟
ولذلك يعمونهم عن القادم من الخضراء.