القرد الجاسوس!
الأربعاء, 13 يوليو/تموز 2011 03:25
في عام 1705 وصل قرد على متن زورق صغير إلى شاطئ وست هارتبول بانجلترا فقضت محكمة عسكرية بإعدامه شنقًا بتهمة التجسس لصالح فرنسا!!
في حالة ارتباك الأنظمة السياسية و سيطرة العسكريين المدربين على أن لا يتعاملوا إلا مع العدو يصبح الكل عدوا، وهذا هو تحديدا ما يحدث للأسف الشديد في سوريا و اليمن فالقرارات كلها باتت عسكرية و الكل أصبح متهما بالعمالة للخارج حتى انفصل الداخل عن الداخل و أصبحت أغلبية الداخل خارجا عميلا متآمرا على الوطن في نظر الفريقين الموالين للرئيسين، وعليه سالت الدماء و اكتظت السجون، وهي حالة تبعث على الحزن الشديد و لكن تدفع المرء للاعتقاد أنه تغيا رباني لا يملك أحدا دفعا له، ولذلك فالسيناريوهات تتكرر في كل الدول العربية و المطالب و الأخطاء هي ذاتها ذاتها. فهناك حقا جزء غامض في كل ما يحدث حولنا و لكن هناك أيضا حقيقة جلية: لقد خسرت كل الأنظمة العربية في رهان الصبر و النّـَفس الطويل ففقدت صبرها و هيبتها معا. فقد اعتقد الرؤساء العرب السابقين و المترنحين –المخلوعين و الذين في طريقهم للخلع (معمر وبشار وصالح)ــ أن الجيوش ستعيد هيبة الدولة و عذرا كبيرا لي منهم هنا فتقديرهم في منتهى الغباء فالجيوش تستخدم لإعادة هيبة الدولة عند حدوث الفوضى الأمنية كتفشي العصابات و ظهور الحركات المسلحة و لكن لا تستخدم مع الاحتجاجات الشعبية غير المسلحة. ولو كانت الأنظمة العربية المنهارة تملك نفسا طويلا لانتصرت و ما انتصرت الشعوب رغم نبل الأهداف ومشروعية المطالب الشعبية. فالنفس القصير هو سبب انهيار الأنظمة العربية في المقام الأول. ماذا ستخسر تلك الأنظمة لو لم ينزل جندي واحد أو شرطي واحد للشارع و مارس النظام و المواليين له لحياتهم الطبيعية وبقى المعادون في الشوارع حتى و لو لسنوات؟ !باختصار لقد كان رهانا للصبر و قد خسرت الأنظمة و ربح المعارضون.
و لكن يا ترى لماذا هذه الأنظمة خسرت في هذا الرهان التاريخي؟
عندما قامت هذه الاحتجاجات وخرجت الجموع للشوارع في بادئ الأمر تحدث المعارضون على أن هناك فسادا و هنا خافت جماعة المنتفعين المقربة من الزعماء العرب على مصالحها و لأنها قد أقنعت و لسنوات طويلة الزعماء بأن الشعوب في أحسن حال و الأمن و الرخاء و الديمقراطية منبعها العالم العربي و لأن أيضا هناك أجيال و أجيال من الشعوب العربية تعلمت النفاق بحيث في كل فرصة سنحت بمقابلة الرؤساء لم تكن سوى تنافق وتلقي القصائد وتسجي المديح، فقد صَدّق الزعماء العرب أن هذا هو حال الشعب العربي. المهم أن هذه الجماعة المنتفعة أيقنت أن لم يعد لها مكان بين تلك الجموع الغاضبة فلم يعد من الأساس يهمها سوى الانتقام لنفسها، إنها عقلية الثأر العربية و كذلك شيء من الصلف و الغرور الجاهلي، ولأنها محدودة العدد –رغم قوة النفوذ- فقد طرحت فكرة تدخل المؤسسة العسكرية التي لابد وأن أفرادا نافذين فيها على اتصال وثيق بهم فلم يترددوا في الموافقة على النزول للشوارع كما لم يترددوا في توجيه فوهات البنادق لصدور الشباب و لأن دائما عندما تسيل الدماء تدفع الأمور للأمام حتى لو كان الأمام يعني موتا مؤكدا و هكذا دوما تتصاعد الأوضاع في تلك الدول فالدماء تسيل و الخسائر من الطرفين فشيئا وشيئا ينحل النظام وربما يتحول مستقبلا لمعارضة تتهم بالتجسس و العمالة و تصدر عليها محاكم عسكرية أخرى حكم الإعدام.
عموما بات من المؤكد أننا مقبلون على خارطة جديدة للوطن العربي و هناك صراع أكبر سيظهر عما قريب أكبر من مهزلة محاكمة القرد التي تبنت نهجها المحاكم العسكرية العربية. إننا مقبلون على صراع عالمي مرهون بحسابات قوى دولية تسعى لاحتواء الشعوب العربية و سرقة ثوراتها لصنع عالم عربي وفق ذوقها الخاص بوابتها في أفريقيا ليبيا و في آسيا سوريا و في الجزيرة العربية اليمن، و قد نجحت للأسف في أن تجد لها موضع قدم في ليبيا في خلسة من غفوة شعبية و رهاب قذافي و لا تزال تسعى لتجد لنفسها موطئا آخر في سورية، أما اليمن فمن المستحيل وفق تركيبتها القبلية و المناطقية و عقليتها الرافضة للغرب جملة و تفصيلا أن تجد تلك القوى لها مكانا هناك لذلك ستسعى لاستمرار التوتر فيها لإرهاب الجيران و لا يستبعد البحث في جزيرة العرب عن موطئ قدم آخر يتناغم و المستجدات الجديدة فقد شاخ الأصدقاء و ربما حان وقت إحالتهم للتقاعد. عموما يبقى صراع الإرادات قائما و تبقى إلى الآن الشعوب العربية لاعبا مهاجما يربك الجميع وعليه ايضا ان يتصدى للهجمات المرتدة ليبعث على التفاؤل.
الأربعاء, 13 يوليو/تموز 2011 03:25
في عام 1705 وصل قرد على متن زورق صغير إلى شاطئ وست هارتبول بانجلترا فقضت محكمة عسكرية بإعدامه شنقًا بتهمة التجسس لصالح فرنسا!!
في حالة ارتباك الأنظمة السياسية و سيطرة العسكريين المدربين على أن لا يتعاملوا إلا مع العدو يصبح الكل عدوا، وهذا هو تحديدا ما يحدث للأسف الشديد في سوريا و اليمن فالقرارات كلها باتت عسكرية و الكل أصبح متهما بالعمالة للخارج حتى انفصل الداخل عن الداخل و أصبحت أغلبية الداخل خارجا عميلا متآمرا على الوطن في نظر الفريقين الموالين للرئيسين، وعليه سالت الدماء و اكتظت السجون، وهي حالة تبعث على الحزن الشديد و لكن تدفع المرء للاعتقاد أنه تغيا رباني لا يملك أحدا دفعا له، ولذلك فالسيناريوهات تتكرر في كل الدول العربية و المطالب و الأخطاء هي ذاتها ذاتها. فهناك حقا جزء غامض في كل ما يحدث حولنا و لكن هناك أيضا حقيقة جلية: لقد خسرت كل الأنظمة العربية في رهان الصبر و النّـَفس الطويل ففقدت صبرها و هيبتها معا. فقد اعتقد الرؤساء العرب السابقين و المترنحين –المخلوعين و الذين في طريقهم للخلع (معمر وبشار وصالح)ــ أن الجيوش ستعيد هيبة الدولة و عذرا كبيرا لي منهم هنا فتقديرهم في منتهى الغباء فالجيوش تستخدم لإعادة هيبة الدولة عند حدوث الفوضى الأمنية كتفشي العصابات و ظهور الحركات المسلحة و لكن لا تستخدم مع الاحتجاجات الشعبية غير المسلحة. ولو كانت الأنظمة العربية المنهارة تملك نفسا طويلا لانتصرت و ما انتصرت الشعوب رغم نبل الأهداف ومشروعية المطالب الشعبية. فالنفس القصير هو سبب انهيار الأنظمة العربية في المقام الأول. ماذا ستخسر تلك الأنظمة لو لم ينزل جندي واحد أو شرطي واحد للشارع و مارس النظام و المواليين له لحياتهم الطبيعية وبقى المعادون في الشوارع حتى و لو لسنوات؟ !باختصار لقد كان رهانا للصبر و قد خسرت الأنظمة و ربح المعارضون.
و لكن يا ترى لماذا هذه الأنظمة خسرت في هذا الرهان التاريخي؟
عندما قامت هذه الاحتجاجات وخرجت الجموع للشوارع في بادئ الأمر تحدث المعارضون على أن هناك فسادا و هنا خافت جماعة المنتفعين المقربة من الزعماء العرب على مصالحها و لأنها قد أقنعت و لسنوات طويلة الزعماء بأن الشعوب في أحسن حال و الأمن و الرخاء و الديمقراطية منبعها العالم العربي و لأن أيضا هناك أجيال و أجيال من الشعوب العربية تعلمت النفاق بحيث في كل فرصة سنحت بمقابلة الرؤساء لم تكن سوى تنافق وتلقي القصائد وتسجي المديح، فقد صَدّق الزعماء العرب أن هذا هو حال الشعب العربي. المهم أن هذه الجماعة المنتفعة أيقنت أن لم يعد لها مكان بين تلك الجموع الغاضبة فلم يعد من الأساس يهمها سوى الانتقام لنفسها، إنها عقلية الثأر العربية و كذلك شيء من الصلف و الغرور الجاهلي، ولأنها محدودة العدد –رغم قوة النفوذ- فقد طرحت فكرة تدخل المؤسسة العسكرية التي لابد وأن أفرادا نافذين فيها على اتصال وثيق بهم فلم يترددوا في الموافقة على النزول للشوارع كما لم يترددوا في توجيه فوهات البنادق لصدور الشباب و لأن دائما عندما تسيل الدماء تدفع الأمور للأمام حتى لو كان الأمام يعني موتا مؤكدا و هكذا دوما تتصاعد الأوضاع في تلك الدول فالدماء تسيل و الخسائر من الطرفين فشيئا وشيئا ينحل النظام وربما يتحول مستقبلا لمعارضة تتهم بالتجسس و العمالة و تصدر عليها محاكم عسكرية أخرى حكم الإعدام.
عموما بات من المؤكد أننا مقبلون على خارطة جديدة للوطن العربي و هناك صراع أكبر سيظهر عما قريب أكبر من مهزلة محاكمة القرد التي تبنت نهجها المحاكم العسكرية العربية. إننا مقبلون على صراع عالمي مرهون بحسابات قوى دولية تسعى لاحتواء الشعوب العربية و سرقة ثوراتها لصنع عالم عربي وفق ذوقها الخاص بوابتها في أفريقيا ليبيا و في آسيا سوريا و في الجزيرة العربية اليمن، و قد نجحت للأسف في أن تجد لها موضع قدم في ليبيا في خلسة من غفوة شعبية و رهاب قذافي و لا تزال تسعى لتجد لنفسها موطئا آخر في سورية، أما اليمن فمن المستحيل وفق تركيبتها القبلية و المناطقية و عقليتها الرافضة للغرب جملة و تفصيلا أن تجد تلك القوى لها مكانا هناك لذلك ستسعى لاستمرار التوتر فيها لإرهاب الجيران و لا يستبعد البحث في جزيرة العرب عن موطئ قدم آخر يتناغم و المستجدات الجديدة فقد شاخ الأصدقاء و ربما حان وقت إحالتهم للتقاعد. عموما يبقى صراع الإرادات قائما و تبقى إلى الآن الشعوب العربية لاعبا مهاجما يربك الجميع وعليه ايضا ان يتصدى للهجمات المرتدة ليبعث على التفاؤل.