الجيل القادم شرس و مثقف بثقافة لا تقبل الرضوخ...
كثير من الأهالي كانوا يعتقدون أن أبناؤهم يلعبون في فيناء البيت أو في ساحة من ساحة المدينة حتى أتتهم الاتصالات من أحد المشافي أو من العابرين للطريق القريب من ساحة الاعتصام سابقا حيث يتمركز الجيش. تلك الاتصالات كانت مفاجئة للأهالي أبناؤكم يرشقون الجيش بالحجارة و الجيش يرد بضربهم بالهروات و إطلاق الرصاص الحي و المطاطي في الجو!!.
لقد دخل الفتية الصغار ساحة معركة حقيقة بالحجارة لقد شدني الحدث لدرجة كبيرة فبت أبحث عن تفاصيله كيف ذهب الصغار إلى هنالك.علمت أن في إحدى المدارس اتفق طلبة الخامس الأساسي جميعا على أن يجتمعوا عند أحد المجمعات التجارية ليحرروا المعتصمين و أنضم لهم طلبة من مراحل دراسية مختلفة أصبح عددهم كبيرا جدا جاءوا في سيارات و حافلات الأجرة ومن لدى عائلته سائق استغله لنقل الزملاء لساحة النزال، لقد أعتقد الصغار أن الجيش يسجن المعتصمين هناك في الساحة و أنهم من سيقوم بإطلاق صراحهم. و أنا أكتب هذه السطور أشعر برغبة في الضحك لا يمنعني منها غير تذكري أن الجيش كان عنيفا معهم رؤوس مشجوجة و ضرب مبرح و بعضهم تلقى نصيبا من الرصاص،وكما أن الجيش نال نصيبه و عاش ليلة حالكة من الحجارة المتساقطة من كل جانب،فقد كان الفتية مصرين على اختراق المدرعات للوصول للطرف الأخر.
سألت أحد الفتية معاتبه لماذا تعرضون أنفسكم للخطر وأنتم أطفال؟ ثم الجيش أُمر بذلك ولا بد له من إطاعة الأوامر؟ فهم كما شاهدتم بأعينكم لا يحملون أسلحة نارية بل مضارب يعني هم أصلا ليسوا موجودين لإيذاء أحد بل تنفيذا لواجب مناط بهم. بداية أعترض على وصفهم بالأطفال ثم أجابني بمحاضرة حول دور المجتمع في الدفاع عن معتقلي الرأي أذهلتني وكأنه في خلاصتها يقول الجيش أدى واجبه و نحن أدينا واجبنا!.ثم استدرك أخر قائلا لقد طالب المعتصمون بجامعة فهل أحدهم سيدخل تلك الجامعة هم أردوها لنا فكيف نجلس في بيوتنا و نترك الجيش يضربهم و يسجنهم؟ و حين قلت لأحدهم أليس شقيقك في الجيش؟ أجابني:كنت أبحث عنه من بين الجنود و رشقته بالحجارة حتى يتعلم أن يكون رجلا يحفظ الجميل؟! الصغار ليسوا كما نعتقد و لا الجيش كما نرجو و للأسف الكل يعتقد أنه يؤدي واجبا.و أثناء ذلك الأداء حدثت الكثير من التفاصيل لا داعي لذكرها هنا فنحن نريد للجرح الشفاء و للذاكرة النسيان.
عموما من يريد أن يقرأ المستقبل فليجالس الصغار و يقرأ ملامحهم و حركاتهم و إيماءاتهم منهم نعرف المستقبل.لقد حدثتُ مجموعة منهم عن أحلامهم في المستقبل فكانت بين صحفي و بين عالم و طبيب و معلم و عندما قلت لأحدهم لقد كنت تحلم بأن تكون ضابطا في الجيش أليس كذلك ؟ فأجاب لا طبعا لم أعد أريد. بالطبع لا زالت أثار مضارب الجيش على جسده.
الجيل الجديد من الشباب الصغار يمتلك ما لا نمتلك نحن يمتلك الإصرار و العزيمة و القدرة على التعبير عن الرأي وعدم التنازل عن الحقوق أو التعب من متابعة المطالب كما أنه جيل ليس من السهل خداعة بالكلمات و الجمل و لا يقبل أن تصرف له مسكنات الآلام هو جيل يفضل الجرح على التخدير. و يفترض أن يكون وجود مثل هكذا جيل يشعرنا بالزهو و الفخر و لكنه يشعرني شخصيا بالخوف بسبب بسيط أن الفارق العمري بينهم و بين سابقيهم بسيط جدا لكن الفارق النفسي و التكويني و الثقافي كبير جدا. ما لدينا في الأساس جيل واحد فقط بمقاييس السنين ولكنه منقسم لجيلين من حيث الثقافة و التفكير.
جيلنا جيل يقدس الكبير و التقاليد و جيلهم يكره التقديس ولا ينتمي إلا لما يؤمن به،جيلنا جيل يخضع و يذعن و جيلهم جيل يقتنع و يؤمن. نحن وهم نتفق على تعريف الإيمان من حيث أنه ما وقر في القلب و صدقه العمل لكننا نختلف في العمل هم عملهم من عقولهم و نحن عملنا من نهج أبائنا.
فلنتعرف هم خير منا بملايين المرات لكن المشكلة هي أن لن نقبلهم سنحاول أن نستنسخهم ليصبحوا مثلنا أو سنعلن عليهم الحرب سنحاول كبتهم و إسكاتهم و لا ابالغ إن قلت إذلالهم و نحن أكثر عددا و نفوذا و لن يصمتوا فهم أكثر قوة ذاتية منا و أكثر نبلا منا و حبا للمجتمع و للقضايا العامة وأكثر قدرة على التضحية منا. ولأنّا منذ البداية شعرنا بأنهم مختلفين عنا لم نستوعبهم و حاولنا إقصائهم و بدت المسافة تطول بيننا وبينهم و إذا لم نحاول أن نرسخ قيم المجتمع المدني و احترام الحريات العامة و الخاصة ونهتم بالفرد أولا سنخسر جميعا فهذا هو وحدة ما سيحفظ لوطننا الاستقرار وإلا فالقادم سيكون عابسا و سنفاجأ بدهشة.نسيت أن أذكر شيء لقد اكتشف جيل الشباب كيف يجمع الناس حوله و يجمع اجيال مختلفة حوله.و لغة القوة وأساليبها لم تعد مناسبة لعصرنا فيجب أن تولي إلى حيث لا رجعه فكل من حاول استخدامها في هذا العصر يخسر كثيرا و وحدهم الشباب ينتصرون لأنهم تجردوا من ذواتهم و من حب الزعامة و الرئاسة وذابوا في الهم العام و لا يصدقون إلا ما يؤمنون به و من الصعب خداعهم أو تشويه صحبهم و رفاقهم في الرأي وهم من سيكتب التاريخ .
ملاحظة: التاريخ لا يرحم و يكتبه ليس من صنعوه بل من راقبوه أو جيل قادم فما عسى الأجيال المراقبة أو القادمة ستكتب؟! و لمن من الفرقاء الصفحات البيضاء؟! بت أتمنى أن نسقط سهوا من صفحات التاريخ خوفا من أن تلتقطنا الصفحات السوداء.
كثير من الأهالي كانوا يعتقدون أن أبناؤهم يلعبون في فيناء البيت أو في ساحة من ساحة المدينة حتى أتتهم الاتصالات من أحد المشافي أو من العابرين للطريق القريب من ساحة الاعتصام سابقا حيث يتمركز الجيش. تلك الاتصالات كانت مفاجئة للأهالي أبناؤكم يرشقون الجيش بالحجارة و الجيش يرد بضربهم بالهروات و إطلاق الرصاص الحي و المطاطي في الجو!!.
لقد دخل الفتية الصغار ساحة معركة حقيقة بالحجارة لقد شدني الحدث لدرجة كبيرة فبت أبحث عن تفاصيله كيف ذهب الصغار إلى هنالك.علمت أن في إحدى المدارس اتفق طلبة الخامس الأساسي جميعا على أن يجتمعوا عند أحد المجمعات التجارية ليحرروا المعتصمين و أنضم لهم طلبة من مراحل دراسية مختلفة أصبح عددهم كبيرا جدا جاءوا في سيارات و حافلات الأجرة ومن لدى عائلته سائق استغله لنقل الزملاء لساحة النزال، لقد أعتقد الصغار أن الجيش يسجن المعتصمين هناك في الساحة و أنهم من سيقوم بإطلاق صراحهم. و أنا أكتب هذه السطور أشعر برغبة في الضحك لا يمنعني منها غير تذكري أن الجيش كان عنيفا معهم رؤوس مشجوجة و ضرب مبرح و بعضهم تلقى نصيبا من الرصاص،وكما أن الجيش نال نصيبه و عاش ليلة حالكة من الحجارة المتساقطة من كل جانب،فقد كان الفتية مصرين على اختراق المدرعات للوصول للطرف الأخر.
سألت أحد الفتية معاتبه لماذا تعرضون أنفسكم للخطر وأنتم أطفال؟ ثم الجيش أُمر بذلك ولا بد له من إطاعة الأوامر؟ فهم كما شاهدتم بأعينكم لا يحملون أسلحة نارية بل مضارب يعني هم أصلا ليسوا موجودين لإيذاء أحد بل تنفيذا لواجب مناط بهم. بداية أعترض على وصفهم بالأطفال ثم أجابني بمحاضرة حول دور المجتمع في الدفاع عن معتقلي الرأي أذهلتني وكأنه في خلاصتها يقول الجيش أدى واجبه و نحن أدينا واجبنا!.ثم استدرك أخر قائلا لقد طالب المعتصمون بجامعة فهل أحدهم سيدخل تلك الجامعة هم أردوها لنا فكيف نجلس في بيوتنا و نترك الجيش يضربهم و يسجنهم؟ و حين قلت لأحدهم أليس شقيقك في الجيش؟ أجابني:كنت أبحث عنه من بين الجنود و رشقته بالحجارة حتى يتعلم أن يكون رجلا يحفظ الجميل؟! الصغار ليسوا كما نعتقد و لا الجيش كما نرجو و للأسف الكل يعتقد أنه يؤدي واجبا.و أثناء ذلك الأداء حدثت الكثير من التفاصيل لا داعي لذكرها هنا فنحن نريد للجرح الشفاء و للذاكرة النسيان.
عموما من يريد أن يقرأ المستقبل فليجالس الصغار و يقرأ ملامحهم و حركاتهم و إيماءاتهم منهم نعرف المستقبل.لقد حدثتُ مجموعة منهم عن أحلامهم في المستقبل فكانت بين صحفي و بين عالم و طبيب و معلم و عندما قلت لأحدهم لقد كنت تحلم بأن تكون ضابطا في الجيش أليس كذلك ؟ فأجاب لا طبعا لم أعد أريد. بالطبع لا زالت أثار مضارب الجيش على جسده.
الجيل الجديد من الشباب الصغار يمتلك ما لا نمتلك نحن يمتلك الإصرار و العزيمة و القدرة على التعبير عن الرأي وعدم التنازل عن الحقوق أو التعب من متابعة المطالب كما أنه جيل ليس من السهل خداعة بالكلمات و الجمل و لا يقبل أن تصرف له مسكنات الآلام هو جيل يفضل الجرح على التخدير. و يفترض أن يكون وجود مثل هكذا جيل يشعرنا بالزهو و الفخر و لكنه يشعرني شخصيا بالخوف بسبب بسيط أن الفارق العمري بينهم و بين سابقيهم بسيط جدا لكن الفارق النفسي و التكويني و الثقافي كبير جدا. ما لدينا في الأساس جيل واحد فقط بمقاييس السنين ولكنه منقسم لجيلين من حيث الثقافة و التفكير.
جيلنا جيل يقدس الكبير و التقاليد و جيلهم يكره التقديس ولا ينتمي إلا لما يؤمن به،جيلنا جيل يخضع و يذعن و جيلهم جيل يقتنع و يؤمن. نحن وهم نتفق على تعريف الإيمان من حيث أنه ما وقر في القلب و صدقه العمل لكننا نختلف في العمل هم عملهم من عقولهم و نحن عملنا من نهج أبائنا.
فلنتعرف هم خير منا بملايين المرات لكن المشكلة هي أن لن نقبلهم سنحاول أن نستنسخهم ليصبحوا مثلنا أو سنعلن عليهم الحرب سنحاول كبتهم و إسكاتهم و لا ابالغ إن قلت إذلالهم و نحن أكثر عددا و نفوذا و لن يصمتوا فهم أكثر قوة ذاتية منا و أكثر نبلا منا و حبا للمجتمع و للقضايا العامة وأكثر قدرة على التضحية منا. ولأنّا منذ البداية شعرنا بأنهم مختلفين عنا لم نستوعبهم و حاولنا إقصائهم و بدت المسافة تطول بيننا وبينهم و إذا لم نحاول أن نرسخ قيم المجتمع المدني و احترام الحريات العامة و الخاصة ونهتم بالفرد أولا سنخسر جميعا فهذا هو وحدة ما سيحفظ لوطننا الاستقرار وإلا فالقادم سيكون عابسا و سنفاجأ بدهشة.نسيت أن أذكر شيء لقد اكتشف جيل الشباب كيف يجمع الناس حوله و يجمع اجيال مختلفة حوله.و لغة القوة وأساليبها لم تعد مناسبة لعصرنا فيجب أن تولي إلى حيث لا رجعه فكل من حاول استخدامها في هذا العصر يخسر كثيرا و وحدهم الشباب ينتصرون لأنهم تجردوا من ذواتهم و من حب الزعامة و الرئاسة وذابوا في الهم العام و لا يصدقون إلا ما يؤمنون به و من الصعب خداعهم أو تشويه صحبهم و رفاقهم في الرأي وهم من سيكتب التاريخ .
ملاحظة: التاريخ لا يرحم و يكتبه ليس من صنعوه بل من راقبوه أو جيل قادم فما عسى الأجيال المراقبة أو القادمة ستكتب؟! و لمن من الفرقاء الصفحات البيضاء؟! بت أتمنى أن نسقط سهوا من صفحات التاريخ خوفا من أن تلتقطنا الصفحات السوداء.