يـــــور
-
عندما يكون المجتمع مثقلا بالجراح لابد أن تنكأه الأيام، ومجتمعنا مثقل بجراحه من زمن الجاهلية لزمن الاستعمار لأيام الاستبداد، فهؤلاء هم العرب دائما متنافسون على الرئاسة، فحتى دولنا مسكنونة بروح القبيلة، فهذه حدود عبس وتلك حدود ذبيان. الى الآن لم نتجاوز تلك الروح ولا تلك المشكلات الناتجة عنها وان كنا اعدنا انتاجها بروح العصر ولكن ما يعنينا الآن هو ما ظهر على السطح في محافظة ظفار من قضية منطقة يور وتنازع قبيلتين عليها فكل تدعي ملكيتها وتبعيتها لها، فلقرب تلك المنطقة من وادي دربات فإن من الممكن حفر اكبر الآبار المائية بحيث سيصبح اغلى واهم من البترول في عصر الجفاف والتصحر كما انه يمكن ان تقام فيها أجمل المنتجعات السياحية ولكن السؤال لماذا لم تنفجر هذه الخلافات التي في ظاهرها قبلية مع العلم ان القبيلتين متجاورتين منذ مئات السنين ويور موجودة منذ آلاف السنين، فلماذا النزاع الآن؟!
عموما هناك قلق ليس بخافٍ على احد لدى جميع المواطنين في محافظة ظفار، فمساحات شاسعة من الأراضي تحولت لإقطاعيات الاستعمار الجديد ـالشركات الكبرى- وكذلك عزب بمساحات شاسعة ومواقع مميزة منحت لنافذين مستنفذين في البلاد والمواطن البسيط حفيت قدماه ليجد قطعة ارض صغيرة رغم أن الأرض جميعها ملكه عرفا وشرعا ووطنا، فيقال له القانون لا يسمح والغريب كيف أن عين القانون لا تلمح تلك الأسوار الشاسعة والعزب المترامية الأطراف في كل مكان. ربما هناك مبررات، وفعلا نحن بحاجة لاستثمارات تنعش البلاد ولكن حقيقة إذا لم يعم نفعها على العباد وإذا لم يشعر ذلك المواطن بالاطمئنان فسيعود للشكل التقليدي الذي من خلاله عاش ملكا دون مملكة. المهم ينتابني شك أن الصراع بين القبيلتين صراع يدار برحى اصحاب المصالح. اعتقد ان هناك من لعابه بدأ يسيل ليستثمر في تلك المنطقة بل وليستحوذ عليها دون غيره ولذلك فمن المجدي جدا فتح الملفات القديمة ونبش الجراح لتوقف المشاريع بحجة النزاع القبلي ثم بعد حين يعاد الرسم وفق المرسوم.
يور في حد ذاتها أوضحت لنا ووضعت أمام أعيننا حقيقة جلية: نحن مجتمع قابل للنزاع ومهيئ وبسهولة للدخول في فوضى وليس السبب هي القبيلة فقد اثبتت التجربة من خلال أربعين عاما ونيف بأن النظام القبلي نظام قابل للتكيف وقابل للتمدن والعصرنة لكن الجشع وروح الاستبداد وإرث الماضي واسلوبه هو السبب في ما نحن فيه. احدهم يقول الأمر ابسط من ذلك بكثير لقد كثرت البطالة كما زاد عدد الشباب الذين لايملكون قطعة ارض ولذلك كل ما في الأمر أن كل قبيلة أدركت ان تلك المنطقة ـ يورـ يمكن ان تكون مصدر رزق لفرص عمل من خلال ما يمكن أن يقام من مشاريع، كما أنها أصبحت قابلة لان تُسكن، فالخدمات ستصل لها سريعا فهو باختصار اذن صراع لأجل الحياة ولوتوفرت فرص العمل للطرفين وكذلك وضع المواطن على رأس قائمة الاستحقاق للأراضي كما وضعت الشركات والمتنفذين فستحل الامور، فالعدالة الاجتماعية وحدها من اهم ركائز الأمن في المجتمعات وما استخدام القبيلة الا شكلا من اشكال المطالبة بتلك العدالة حيث لا توجد وسيلة اخرى متاحة.
عموما أيا كان السبب أهو وشايات أصحاب رؤوس الأموال ام هموم الحياة اليومية فيور قد فجرت قضية هامة وهي القبيلة ودورها في المجتمع والدولة وطريقة تعاطيها مع المشكلات. أحيانا كثيرة يجب ان لا نلوم المجتمع فلا يوجد لديه وسيلة اخرى للتكتل بهدف المطالبة بالحقوق غير القبيلة ففي ظفار مثلا ـوربما الامر كذلك في العديد من محافظات السلطنة باستناء مسقطـ لا توجد أي جمعية اهلية من مؤسسات المجتمع المدني، كما ان لا نظام احزاب لدينا فكيف نطلب من المجتمع ان يكون مدنيا ولا قواعد للمدنية لديه؟ فمخطئ جدا من يظن ان المدنية مجرد عمران، فالمدنية اسلوب حياة تقام على أساس نظام ومؤسسات فإذا اختلت أو فقدت فلا مدنية ولا دولة حقيقية من الأساس