الخميس، 15 ديسمبر 2011

من مؤتمر القاهرة



التغيرات في العالم العربي[1]

إن التغيّرات الكبرى و المتسارعة التي يشهدها عالمنا العربي والتي بلغت ذروتها من حيث التحولات الراديكالية في بعض من الدول العربية خلال هذه العام لاتزال أحداثا معاصرة يصعب على العقل إعطاء تقيما نهائيا لها حيث أن " الأحداث المعاصرة ليست من التاريخ. ولا نعرف الآثار التي تنتجها. وفي عودة للوراء، يمكننا تقدير معنى الأحداث الماضية و إعادة رسم النتائج التي أنتجتها. لكن التاريخ، في اللحظة التي يحدث فيها. لا يكون تاريخا، بعد، بالنسبة إلينا. إنه يقودنا إلى أرض مجهولة، ولا نستطيع إلا نادرا الحصول على مهرب مما ينتظرنا... وفي الوقت عينه،... لسنا في حاجة إلى أن نكون أنبياء لملاحظة الأخطار التي تهددنا" [2]

ومن المؤكد أن الهدف ..... ليس الدخول في قضايا فلسفية حول ما هيه التاريخ و الأحداث ولكننا في الأساس نسعى لتحليل ما يحدث من تغييرات جسام في أوطننا العربية في ظل ما يشعر به كل عربي من المحيط للخليج من تفاؤل إزاء هذه التعييرات الجمة والروح المتوقدة الشابة التي تسكننا جميعا بفضل تلك الصحوة الشبابية الجماعية التي قامت في تونس ومصر فأخرجت هذا الوطن العربي من ثلاجة الجمود التي أودع فيها لعقود من عمر الزمن ودفعتنا لاستّشراف المستقبل بتفاؤل ونشوة عارمة بانتصار طروحات التغيير السلمي في كل من تونس ومصر تلك الطروحات التي ينتظر منها أن تنتج تغييرًا لا يفخر به شعبا البلدين فقط بل كل الشعوب العربية مجتمعه بيد أن في ظل هذه النشوة وذاك التفاؤل من المؤكد أيضا أننا مسكونين بالتوجس و القلق و الخوف أحيانا كثيرة مما سوف تؤول إليه الأمور فإلى الآن لم تضع الثورات العربية في الجمهوريات العربية أوزارها بعد على قاعدة صلبة من الديمقراطية الحقيقة التي ترسخ لنهضة عربية جديدة و لكن أيضا ذلك لا يمنعنا من أن نطلق على ما يحدث -رغم ما سال من دماء في تونس و مصر و يسيل من دماء في ليبيا و اليمن و سوريا- بالربيع العربي فهل نحن محقون في التسمية؟ ليس هذا هو صلب القضية و لكني شخصيا أشعر بارتياح لهذا الاسم فكم نحن بحاجة لربيع عربي بعد عقود من خريف أسقط كل أوراقنا الخضراء و أذبل فروعنا و سيقاننا و أصبغنا بلون الشحوب.

...... إن التغيرات والتحولات التي يشهدها عالمنا العربي على الخصوص تحولات لاريب قد تغير خارطة العالم بأسرة و نحن في كل قُطر من الوطن العربي نسير في ركبها شئنا أم أبينا فنحن كلٌ يبدو كأجزاء متناثرة لذلك فإنا ويسفني ذلك في وسط النشوى العارمة محاصرين بإطروحات الشرق الأوسط الجديد و الفوضى الخلاقة،ورغم أن لا شك بأن كل الاحتجاجات و الثورات العربية الشبابية صادقة و ذات أهداف نبيلة تحمل في طياتها لنا مستقبلا واعد بغد أكثر إشراقا إلا أن الواقع بمعتركه يضعنا أمام حقيقية جليه و هي أنّا أمام صراع للإرادات بيننا و بين ذواتنا وبيننا و بين الأخر الذي تقتضي مصلحته ضعف مشروعاتنا الوطنية و تفكيك وحدتنا وزعزعة ثوابتنا القومية ورغم أني لست من المؤمنين أبدا بنظرية المؤامرة ولكني أيضا أدركت من حقائق الحياة أن القوي دائما يسعى لأن يحافظ على قوته بأن يعمل على أن يبقى الضعيف ضعيفا و تابعا له كما أدركت مبكرا بأن العالم حلبة صراع واسعة و أن صدق النوايا وحدها لا تكفي لإحقاق حق أو إبطال باطل بل لا بد من العمل الجاد و الفطنة و الكياسة و التنظيم و انتصار ارادة التغيير حتى لا تسرق الثورات العربية و يتحول الربيع العربي لخريف دمار لا يبقى و لا يذر علينا كأمة موجودة في هذا الكون.

.... ودعوني أعود لحيث بدأت ماذا كانت الجماهيريات العربية قبل أن تصبح جماهيريات تدعي الديمقراطية ألم تكون ممالك أو مستعمرات؟نعم لقد كانت ثم انتقلت لجماهيريات مزيفة رغم النوايا النبيلة التي صاحبة تكونها هل تعرفون لماذا؟ لأن المجتمع لم يكون مهيئا بعد لقيام ديمقراطية حقيقية الديمقراطية لا تعني فردا مصلحا و لا جموع متحمسة الديمقراطية تتأتى بدولة مؤسسات و قوانين لا يشكل فيها غياب الفرد فراغا وفوضى و كما لا تكون الوطنية فيها كسيرة مهزومة أمام حب الرئاسة والزعامة فنحن للأسف لازال بنا شيء من صفات أجدادنا رغم أن كثير منا لبس قشور الحضارة لازلنا كما قال ابن خلدون " العرب متنافسون في الرئاسة، وقل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته، إلا في الأقل وعلى كره من أجل الحياء؛ فيتعدد الحكام منهم والأمراء"، ولذلك فإن من أكبر الأخطاء التي قد نرتكبها في الدول الملكية حسب رأي أن نطالب بديمقراطية واسقاط أنظمة حاكمة قبل أن نتدرج و نبني مؤسسات المجتمع المدني فإحراق المراحل يعني إحراق الأوطان و التغيير سنه ربانية و علينا أن نحتاط له حتى لا نقع في وقعت فيها شعوب عربية غيرنا من شعارات زائف وجمهوريات مزيفة سرق من عمر الأمة عقود و لازالت تسرق و تزهق الدماء و تقود لغد مجهول بل يجب أن يضغط المجتمع و يطالب ويسير بخطى و اثقة لبناء المؤسسات الفعالة أولا وأن تكون الرؤية لدينا واضحة لا تشوبها شائبة و أن لا تقودنا العواطف الجياشة لارتكاب الأخطاء التاريخية التي تقسم ظهر و وجودنا.




[1] مختصر من ورقة عمل قدمتها –منى سالم جعبوب- في القاهرة في مؤتمر نظمه معهد الدراسات و البحوث العربية التابع لجامعة الدول العربية عن المستجدات السياسية في الوطن العربي (الربيع العربي)، 26-27/فبراير/2011م
[2] فريدريش هايك، ترجمة أدور وهبة: الطريق إلى العبودية،مؤسسة رينه معوض،بيروت،2001،ص11