الإصلاح التربوية في عمان ضرورة عاجلة...
المسيرة التعليمية المؤسساتية في عمان حديثة العهد رغم قدم التعليم وكثرة العلماء العمانيين عبر التاريخ،فقد بدأت مع عهد النهضة العمانية الحديثة التي قادها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس وما قبل ذلك كانت محاولات خجولة لا ترقى لما هي عليه الآن.
وهنا لن نتحدث عن العملية التعليمة والمسيرة التعليمة بل عن ضرورة الإصلاح التربوي لهذه المؤسسات التربوية التي هي إحدى أهم ثمرات النهضة العمانية،فقد بدأت عملية الإصلاح في وزارة التربية والتعليم في الفترة التي كان فيها السيد/ سعود البوسعيدي وزيرا للتربية والتعليم من خلال ما يعرف بالتعليم الأساسي وأكمل برامج المشوار الإصلاحي د/يحيى السليمي كوزير خلفه على رأس وزارة التربية والتعليم، قبل ذلك كانت عمان تضع اللبنة الأساسي للتعليم بمعنى أنا كنا نعمل على إيجاد مؤسسات تعليمية مكتملة وذلك في الفترة الممتدة من السبعينيات إلى التسعينات وهي فترة شاقة من البناء و زاخرة بالانجازات بلا شك.
ولكن التسعينات أتت لتطرح ضرورة ملحة وهي وجوب الإصلاح التربوي ليبقى ذلك البناء قادرا على الاستمرار ويضمن مستقبلا أفضلا للأجيال.
لو سئل أي وزير للتربية في أي دولة في العالم :هل أنت راضي تمام الرضا عن الوضع التربوي في المؤسسات التربوية؟ فأعتقد سيكون جوابه "لا،فلازالت هناك جوانب بحاجة للإصلاح".
الإصلاح ضرورة ملحة وأحد مقتضيات التطور البشري.
تجربة ولاية كنتكي في الاصلاح التربوي:-
منذ طفولتي كنت أسمع عن مطعم كنتكي ،لكني قرأت عن تجربة كنتكي في الإصلاح التربوي حديثا،حيث "في عام 1984م كانت حاكمة الولاية آنذاك مارثا كولينز و مراقبة التعليم العام أليس ماكدونالد متحمستان للبرامج الإصلاحية يضاف لهن لجان التربية في مجلس النواب ومجلس الشيخوخ،و رغم ذلك فشلت التجربة على نطاق واسع بسبب عدم رضا المربين على اختيار المهارات الضرورية"[1]
كنتكي قادة حملة أخرى ومشروع أخر للإصلاح التربوي عام 1990م ونجحت فيه بحيث أصبحت مثلا يحتذي به، أي في نفس الفترة التي كنا في عمان نبدأ خطوات الإصلاح التربوي بدأت كذلك ولاية كنتكي تجربة النجاح التربوي.
ولكن دعونا نقف قليلا عند لماذا فشلت الجهود الإصلاحية الأولى لكنتكي؟
هي ربما كثيرة الأسباب، و لكن السبب الجوهري كان عدم رضا المربيين عن المهارات الضرورية التي حددها البرنامج الإصلاحي.
يعني مهما قاد أي وزير بكل طاقمهم الإداري والفني وبدعم بيوت الخبرة الأجنبية والمنظمات التربوية الوطنية و الإقليمية والدولية مشروعا إصلاحيا لا يرضى عنه المربون في الميدان التربوي فسوف يذهب كل ذلك العمل والجهد هباءً منثورا وسيكون مصيره الفشل، وهذا ما انتبهت له كنتكي في المرحلة الإصلاحية الجديدة. وهذا حقيقة يجب أن يدركها المصلحون التربويون لدينا و هم على هرم وزارة التربية والتعليم،ولكن هناك شيء أخر
قضية الإصلاح التربوي ليست استيراد معلبات تعليمية معربة :
كُتبنا ومناهجنا التعليمة كلفتنا الكثير من المال والجهد والعمل الشاق وعصرت كثير من الأفكار لدى المفكرين التربويين ولست بصدد الحديث عنها لا ايجابيا ولا سلبيا فهناك قضية أخرى ملحة أكثر منها إنها ضرورة الإعداد الجيد للمربيين (معلمون ومشرفون) وكذلك إشراكهم في صنع القرارات الإصلاحية لنضمن نجاح برامج الإصلاح حيث هم من سيقوم بتنفيذها.
إذا كنا دعاة إصلاح فلا بد أن نعود للقاعدة التي ننطلق منها إنها الرؤية والأهداف العامة للتعليم الذي ننشده وللأمة التي نحلم أن نكون هي تلك،لن أكذب أو أنافق و أصفق للتعليم الموجود في بلادي بل إن فيه من السوء المتفاوت حسب الطموح والهدف المنشود،كما فيه العديد من المناقب الحسنة التي لا تحجبها المثالب.
فلدينا في عمان وضعت الحكومة في سياساتها العليا التعليم أولوية وجعلت له نصيب الأسد من الموازنات المالية،و لكني عذرا عجزت وأنا أحاول تفسير سر هذا التخبط في التعليم لدينا.
لا شك دوما الإنسان يستسهل السهل وأسهل السهل ذلك الذي يوفر عليك الجهد و يجنبك تأنيب الضمير و اختصر البعض ذلك السهل في بيوت الخبرة الأجنبية هذه البيوت تأخذ ملايين الريالات وتقدم لنا معلبة معربة لا تغني ولا تسمن من جوع،والنتيجة ظهور الأمية في مدارسنا وهذه قضية تطرح من واقع الخبرة الميدانية فلدينا عدد هائل من التلاميذ الأميين على مقاعد الدراسة،وليتها وقفت عند وجود عدد من الأميين كنا قلنا هي ظاهرة عالمية تعاني منها كثير من دول العالم في نُظمها التعليمية،ولكن تعدتها للخواء الفكري و الروحي و لا ابالغ إذا قلت عاجلا أما أجلا إذا لم نتدارك المشكلة من خلال مناهج التعليم والمؤسسات الثقافية سنصدم بظهور صارخ لأزمة روح المواطنة الغير جليه وكذلك ظهور الأمية و الكثير من الأمراض المجتمعية التي يمكن أن نتداركها عن طريق تعليم يصنع جيل وليس فقط يحافظ على الموروث و المعتقدات بل يعيد إنتاجه بما يتناسب وروح العصر.
ودعونا نعترف بوجود مشكلة أولا ثمَّ فلنقول:
ما هي مشكلتنا؟
وفيما يكمن كل ذلك؟
لقد وجهنا أنظارنا للشكليات وتركنا الجوهر،كان في السابق مبعث فخر الإنسان العماني هو أنه إنسان لا تغره المظاهر،والحاصل للأسف أنا أصبحنا نأكل القشور ونرمي اللب،أقصد هنا الناحية الفكرية والإبداعية وسأضرب هنا مثلا بسيط فلا أميل لضرب الأمثلة المعقدة ولنقل ليت منهم على رأس وزارة التربية يأمرون برصد مدى استهلاك الأحبار وأوراق الطباعة في كل الوزارة والمدارس ويأمرون بحساب تكلفت كل ذلك،ثم يجدون من يبحث عن البديل ويحقق الهدف.
وليتهم كذلك يشكلون لجان تدرس على مدار خمس سنوات فقط، كم مشروع تربوي قدم؟ ثم يسأل كم مشروع لازال قائما ومستمرًا؟،صدقوني لو صدقوا مسؤوليهم القول ولم ينافقوهم سيقولون لهم تلك المشاريع للاستعراض العضلات يقدمونها في الملتقيات ويكلفون ويتكلفون مبالغ الوطن أولى بها ثم تلقى لسلة المهملات ومنها لأقرب محرقة،هذه مشكله تقع بين جوهر ومخبر ولا أريد أدخل في تفاصيل و أمثله أخرى ولكني سأتجه إلى من نثق به و سأقول معالي الوزير -د/يحيي السليمي- إنّا نثق بكم وأنتم فكرا نفخر بوجوده و نحسب أنكم قادرين على أن تنقذوا التعليم من الحال الذي يسير فيه بسبب تخبط الإدارات التنفيذية أحيانا و بسبب المعلبات المستوردة أحيانا أخرى،ولأنا نحسبك ممن يهتمون بالجوهر والمخبر لا القشور والمظهر سقنا مثالا واحدا ولأمثله كثيرة. والحديث الآن للتربويين فلدينا يا أيها التربويون ضرورتان
1.المستوى المعرفي للمخرجات.
2.روح المواطنة و الولاء للوطن "القيم"
خطأنا أنّا بدأنا بالقيم وانتهينا بالتعليم فأضعفنا القيم وأضعنا التعليم
((الإنجليز لا يولدون كمواطنين يحترمون القانون ويتميزون بفطرة سليمة، والالمان لا يولدون برغبة وراثية في الخضوع للسلطة ولكنهم كانوا يتعلمون ويتثقفون وكأنهم ولدوا كذلك،فتكون النتيجة واحدة))[2]
إن تكثيف التعليم والثقافة لتعزيز القيم داخل أي مجتمع يمكن مع استمرار الزمن أن تصبح تلك القيم ثقافة لذلك المجتمع.والتعليم بالطبع شرط أساسي لحدوث أي تغيير داخل أي مجتمع،وهو أي التعليم عملية تسبق التربية بمفهومها الأخلاقي من حيث الأولوية والأهمية في حركة تغيير المجتمعات،فلا يمكن لمجتمع ما أن يتطور وهو يرزح تحت وطأت الأمية والتخلف العلمي، أي يأتي التعليم أولا ثم تؤكل عملية التربية بما تحوي من قيم وثقافات للمتعلم المتثقف،أي أنه إذا وجدت الإرادة السياسية لحمل مجتمع ما على اعتناق قيم معينة فمن الخطأ أن يبدأ بالتثقيف بل الأصح هو أن يبدأ بالتعليم ومن ثم يترك للجيل المتعلم قرار الاختيار والانتقاء.
القيم لا تفرض والثقافة لا تستورد،بل هي عمليات تتم في المجتمع المتعلم بناءً على قناعات الأفراد بداخله من خلال سلسلة من التغيرات بداخل المجتمع ومجموعة من تراكمات الإنتاج الفكري لأفراد ذلك المجتمع.
ومشكلة التعليم في بلادنا أنه بدأ بتعزيز القيم والاتجاهات في وقت كان يفترض أن يصرف اهتمامنا للتعليم فقط،ولكم العودة لمناهجنا القديمة ومقارنتها بالحالية،وأقصد بها مناهجنا فيما سبق التسعينات في فترة كانت الأمية متفشية،ركزنا على كثير من القيم مخاطبين مجتمع أمي غير مهيأ وقتها لتطبيقها واستيعابها بعضا منها،كتعزيز التعليم المهني.
كان بإمكان خريج الابتدائية أن يجد وظيفة في مكتب مكيف ومريح،وكنا نهدر أموال طائلة في فتح المعاهد المهنية والنتيجة اضطررنا لإغلاقها،ثم حبسنا أنفسنا في تجربة الماضي رغم تغير المعطيات،ونسينا السبب الحقيقي لقد استوردنا معلب معرب لم تدرك خصوصية وضعنا واحتياجاتنا.الآن وبعد وجود شريحة مثقفة ومتعلمة من العمانيين القادرين على الانتقاء والإبداع والإنتاج مازلنا ننأى بأنفسنا عن مبدعينا ونصر على الاستيراد،والنتيجة التعليم يقف على رأسه والأمية التعليمية والفكرية قادمة.
لا يحق لأحد أن يسأل لماذا بعض من أبناء هذه الأجيال متقاعسين أو أنانيين أو يفتقرون للقيم أو لحب الوطن و الولاء العملي له، ولا يحق لأحد لومهم فنحن بطريقة أو أخرى صنعناهم بأيدنا للأسف.
التربية الوطنية:
التربية الوطنية لابد لها من دائرة خاصة في وزارة التربية ولابد لها من منهج تعاد غربلته و يساهم في وضعه عدد من التربويين و المبدعين والمثقفين العمانيين من كل مناطق السلطنة ليمثل فيها الوطن بكل مناطقه وثقافاتها ولتغرس فيه أن جمال عمان في أنها حضارة جسدت وحدة الاختلاف لقرون في حين غيرها مثل اختلاف رغم الوحدة ،ولا بد أن يضع لها منهجا مستقلا كما تطعم كل المناهج بالروح الوطنية و ثقافة التنوع الثقافي و الحوار والتسامح و قبول الأخر فكلها جزء من شخصية و كيان الإنسان العماني وريث الحضارة الممتدة و الضاربة في عمق التاريخ.و لابد أن سيتم حديث أكثر استفاضة لو أخذت الفكرة محمل الجد ،ومكانه بالطبع ليس أوراق الجرائد بل أورقت وزارة التربية و التعليم.
تدليل المعلم ضرورة لنجاح التعليم:-
لينجح التعليم لدينا لابد من تدليل المعلم و الشدة دون قسوة على التلميذ،والحاصل للأسف ناتج عن عدم إدراكنا هذه الحقيقة و هي رفاهية المعلم و راحته يجب أن تكون هدف للوزارة و ليس إذلاله أو كسر كاهله بالأعباء،كما أن تعليم يدلل التلميذ ويميع المعرفة لن يبني وطنا وربما كثيرون من المعنيين بالشأن التربوي يعرف الكثير عن تلك الندوات التي أقيمت في أمريكا تحت شعار أمة في خطر و إلى ماذا خلصت بخصوص رفاهية التلاميذ.
المعلم ذاك الجند الأساسي و ليس المجهول هو قلب هذه العملية التربوية،أبسط الأشياء في المقارنات بينه وبين موظفي الخدمة المدنية الآخرين أن أولئك الموظفون يستطيعون أن يحصلوا على أجازاتهم السنوية و قتما يشاءون ولكن المعلم مهما كانت ظروفه فإجازته محددة مسبقا و مقرونة بوجود الطلبة وهذا مثال أخر بسيط بعيد عن المهام الأخرى الأكثر عظمة وتضحية.
وهنا يجب أن نعي أن مما سيوصل التعليم لدينا لطريق مسدود هو هذه النظرة المقلوبة في التعامل،التلميذ يدلل و التعليم يميع و المعلم ينهك و يشتت بل و أحيانا يهان فكيف نحقق النجاح أو نحدث تطور و إصلاح في المنظومة التعليمية و لبنته الأساسية هذا هو حاله و وضعه؟!
التعليم العالي هم ليته ينفرج:-
مبالغ مالية وطاقم إداري،وزارة تعليم عالي و مجلس للتعليم العالي ولجان ومؤسسات قطاع عام وقطاع خاص،والوضع لن أقول من سيئ إلى أسوء بل التقدم بطيء جدا،و لن أذهب لبعيد في نفس المنطقة لدينا في محافظة ظفار الكلية التطبيقية (التربية سابقا،وسابقا الكلية المتوسطة)،الكلية التقنية (الفنية سابقا،وسابقا المعهد الفني)،وفي نفس المنطقة توجد أيضا جامعة ظفار،و على بعد بضع كليو مترات معهد التمريض،وهذه المؤسسات تتبع لوزارت عدة كوزارة التعليم العالي و وزارة القوى العاملة و وزارة الصحة والقطاع الخاص!!!!
أليست لنا حكومة واحدة و بها وزارة واحدة مختصة بالتعليم العالي فلماذا كل هذا التشتت،والعجب العجاب مثلا الكلية التقنية والتخصصية لا يفصل بينهما سوى سور وهذه مثلا تدرس تخصص إدارة أعمال وتلك تدرس إدارة أعمال و هن في نفس المنطقة ويتبعن للقطاع الحكومي
لا أريد أن أجري حسبه ولكن طاقم إداري في ثلاث جهات حكومية وطاقم أكاديمي و مباني وخدمات،وعدد طلبة لا يستهان به، فيا مجلس التعليم العالي ألم يحن الأوان لتدمج هذه المؤسسات في مؤسسة واحدة وتصبح لدينا جامعة حكومية أخرى؟! لن تكلف الدولة منشآت ومعامل ولا دراسات وبرامج فقط اكسروا السور الفاصل وغيروا اللافتة وقولوا هنا تتضافر الجهود و يحارب الهدر،وهنا جامعه حكومية أخرى.وسأختصر عند هذا الحد فالشرح يطول لعمق الجرح.
[1] روجرإس.بانكراتز و جوزيف إم.بيتروسكو،ترجمة:أحمدالعمري: جميع الأطفال يستيعون أن يتعلموا دروس مستفادة من خبرة الاصلاح التربوي في كنتكي،مكتبة العبيكان،الرياض2005،بتصرف صص198-199.
[2] نديم البيطار:-حدود الهوية القومية نقد عام،بيسان للنشر والتوزيع والاعلام،بيروت2002،ص23.
المسيرة التعليمية المؤسساتية في عمان حديثة العهد رغم قدم التعليم وكثرة العلماء العمانيين عبر التاريخ،فقد بدأت مع عهد النهضة العمانية الحديثة التي قادها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس وما قبل ذلك كانت محاولات خجولة لا ترقى لما هي عليه الآن.
وهنا لن نتحدث عن العملية التعليمة والمسيرة التعليمة بل عن ضرورة الإصلاح التربوي لهذه المؤسسات التربوية التي هي إحدى أهم ثمرات النهضة العمانية،فقد بدأت عملية الإصلاح في وزارة التربية والتعليم في الفترة التي كان فيها السيد/ سعود البوسعيدي وزيرا للتربية والتعليم من خلال ما يعرف بالتعليم الأساسي وأكمل برامج المشوار الإصلاحي د/يحيى السليمي كوزير خلفه على رأس وزارة التربية والتعليم، قبل ذلك كانت عمان تضع اللبنة الأساسي للتعليم بمعنى أنا كنا نعمل على إيجاد مؤسسات تعليمية مكتملة وذلك في الفترة الممتدة من السبعينيات إلى التسعينات وهي فترة شاقة من البناء و زاخرة بالانجازات بلا شك.
ولكن التسعينات أتت لتطرح ضرورة ملحة وهي وجوب الإصلاح التربوي ليبقى ذلك البناء قادرا على الاستمرار ويضمن مستقبلا أفضلا للأجيال.
لو سئل أي وزير للتربية في أي دولة في العالم :هل أنت راضي تمام الرضا عن الوضع التربوي في المؤسسات التربوية؟ فأعتقد سيكون جوابه "لا،فلازالت هناك جوانب بحاجة للإصلاح".
الإصلاح ضرورة ملحة وأحد مقتضيات التطور البشري.
تجربة ولاية كنتكي في الاصلاح التربوي:-
منذ طفولتي كنت أسمع عن مطعم كنتكي ،لكني قرأت عن تجربة كنتكي في الإصلاح التربوي حديثا،حيث "في عام 1984م كانت حاكمة الولاية آنذاك مارثا كولينز و مراقبة التعليم العام أليس ماكدونالد متحمستان للبرامج الإصلاحية يضاف لهن لجان التربية في مجلس النواب ومجلس الشيخوخ،و رغم ذلك فشلت التجربة على نطاق واسع بسبب عدم رضا المربين على اختيار المهارات الضرورية"[1]
كنتكي قادة حملة أخرى ومشروع أخر للإصلاح التربوي عام 1990م ونجحت فيه بحيث أصبحت مثلا يحتذي به، أي في نفس الفترة التي كنا في عمان نبدأ خطوات الإصلاح التربوي بدأت كذلك ولاية كنتكي تجربة النجاح التربوي.
ولكن دعونا نقف قليلا عند لماذا فشلت الجهود الإصلاحية الأولى لكنتكي؟
هي ربما كثيرة الأسباب، و لكن السبب الجوهري كان عدم رضا المربيين عن المهارات الضرورية التي حددها البرنامج الإصلاحي.
يعني مهما قاد أي وزير بكل طاقمهم الإداري والفني وبدعم بيوت الخبرة الأجنبية والمنظمات التربوية الوطنية و الإقليمية والدولية مشروعا إصلاحيا لا يرضى عنه المربون في الميدان التربوي فسوف يذهب كل ذلك العمل والجهد هباءً منثورا وسيكون مصيره الفشل، وهذا ما انتبهت له كنتكي في المرحلة الإصلاحية الجديدة. وهذا حقيقة يجب أن يدركها المصلحون التربويون لدينا و هم على هرم وزارة التربية والتعليم،ولكن هناك شيء أخر
قضية الإصلاح التربوي ليست استيراد معلبات تعليمية معربة :
كُتبنا ومناهجنا التعليمة كلفتنا الكثير من المال والجهد والعمل الشاق وعصرت كثير من الأفكار لدى المفكرين التربويين ولست بصدد الحديث عنها لا ايجابيا ولا سلبيا فهناك قضية أخرى ملحة أكثر منها إنها ضرورة الإعداد الجيد للمربيين (معلمون ومشرفون) وكذلك إشراكهم في صنع القرارات الإصلاحية لنضمن نجاح برامج الإصلاح حيث هم من سيقوم بتنفيذها.
إذا كنا دعاة إصلاح فلا بد أن نعود للقاعدة التي ننطلق منها إنها الرؤية والأهداف العامة للتعليم الذي ننشده وللأمة التي نحلم أن نكون هي تلك،لن أكذب أو أنافق و أصفق للتعليم الموجود في بلادي بل إن فيه من السوء المتفاوت حسب الطموح والهدف المنشود،كما فيه العديد من المناقب الحسنة التي لا تحجبها المثالب.
فلدينا في عمان وضعت الحكومة في سياساتها العليا التعليم أولوية وجعلت له نصيب الأسد من الموازنات المالية،و لكني عذرا عجزت وأنا أحاول تفسير سر هذا التخبط في التعليم لدينا.
لا شك دوما الإنسان يستسهل السهل وأسهل السهل ذلك الذي يوفر عليك الجهد و يجنبك تأنيب الضمير و اختصر البعض ذلك السهل في بيوت الخبرة الأجنبية هذه البيوت تأخذ ملايين الريالات وتقدم لنا معلبة معربة لا تغني ولا تسمن من جوع،والنتيجة ظهور الأمية في مدارسنا وهذه قضية تطرح من واقع الخبرة الميدانية فلدينا عدد هائل من التلاميذ الأميين على مقاعد الدراسة،وليتها وقفت عند وجود عدد من الأميين كنا قلنا هي ظاهرة عالمية تعاني منها كثير من دول العالم في نُظمها التعليمية،ولكن تعدتها للخواء الفكري و الروحي و لا ابالغ إذا قلت عاجلا أما أجلا إذا لم نتدارك المشكلة من خلال مناهج التعليم والمؤسسات الثقافية سنصدم بظهور صارخ لأزمة روح المواطنة الغير جليه وكذلك ظهور الأمية و الكثير من الأمراض المجتمعية التي يمكن أن نتداركها عن طريق تعليم يصنع جيل وليس فقط يحافظ على الموروث و المعتقدات بل يعيد إنتاجه بما يتناسب وروح العصر.
ودعونا نعترف بوجود مشكلة أولا ثمَّ فلنقول:
ما هي مشكلتنا؟
وفيما يكمن كل ذلك؟
لقد وجهنا أنظارنا للشكليات وتركنا الجوهر،كان في السابق مبعث فخر الإنسان العماني هو أنه إنسان لا تغره المظاهر،والحاصل للأسف أنا أصبحنا نأكل القشور ونرمي اللب،أقصد هنا الناحية الفكرية والإبداعية وسأضرب هنا مثلا بسيط فلا أميل لضرب الأمثلة المعقدة ولنقل ليت منهم على رأس وزارة التربية يأمرون برصد مدى استهلاك الأحبار وأوراق الطباعة في كل الوزارة والمدارس ويأمرون بحساب تكلفت كل ذلك،ثم يجدون من يبحث عن البديل ويحقق الهدف.
وليتهم كذلك يشكلون لجان تدرس على مدار خمس سنوات فقط، كم مشروع تربوي قدم؟ ثم يسأل كم مشروع لازال قائما ومستمرًا؟،صدقوني لو صدقوا مسؤوليهم القول ولم ينافقوهم سيقولون لهم تلك المشاريع للاستعراض العضلات يقدمونها في الملتقيات ويكلفون ويتكلفون مبالغ الوطن أولى بها ثم تلقى لسلة المهملات ومنها لأقرب محرقة،هذه مشكله تقع بين جوهر ومخبر ولا أريد أدخل في تفاصيل و أمثله أخرى ولكني سأتجه إلى من نثق به و سأقول معالي الوزير -د/يحيي السليمي- إنّا نثق بكم وأنتم فكرا نفخر بوجوده و نحسب أنكم قادرين على أن تنقذوا التعليم من الحال الذي يسير فيه بسبب تخبط الإدارات التنفيذية أحيانا و بسبب المعلبات المستوردة أحيانا أخرى،ولأنا نحسبك ممن يهتمون بالجوهر والمخبر لا القشور والمظهر سقنا مثالا واحدا ولأمثله كثيرة. والحديث الآن للتربويين فلدينا يا أيها التربويون ضرورتان
1.المستوى المعرفي للمخرجات.
2.روح المواطنة و الولاء للوطن "القيم"
خطأنا أنّا بدأنا بالقيم وانتهينا بالتعليم فأضعفنا القيم وأضعنا التعليم
((الإنجليز لا يولدون كمواطنين يحترمون القانون ويتميزون بفطرة سليمة، والالمان لا يولدون برغبة وراثية في الخضوع للسلطة ولكنهم كانوا يتعلمون ويتثقفون وكأنهم ولدوا كذلك،فتكون النتيجة واحدة))[2]
إن تكثيف التعليم والثقافة لتعزيز القيم داخل أي مجتمع يمكن مع استمرار الزمن أن تصبح تلك القيم ثقافة لذلك المجتمع.والتعليم بالطبع شرط أساسي لحدوث أي تغيير داخل أي مجتمع،وهو أي التعليم عملية تسبق التربية بمفهومها الأخلاقي من حيث الأولوية والأهمية في حركة تغيير المجتمعات،فلا يمكن لمجتمع ما أن يتطور وهو يرزح تحت وطأت الأمية والتخلف العلمي، أي يأتي التعليم أولا ثم تؤكل عملية التربية بما تحوي من قيم وثقافات للمتعلم المتثقف،أي أنه إذا وجدت الإرادة السياسية لحمل مجتمع ما على اعتناق قيم معينة فمن الخطأ أن يبدأ بالتثقيف بل الأصح هو أن يبدأ بالتعليم ومن ثم يترك للجيل المتعلم قرار الاختيار والانتقاء.
القيم لا تفرض والثقافة لا تستورد،بل هي عمليات تتم في المجتمع المتعلم بناءً على قناعات الأفراد بداخله من خلال سلسلة من التغيرات بداخل المجتمع ومجموعة من تراكمات الإنتاج الفكري لأفراد ذلك المجتمع.
ومشكلة التعليم في بلادنا أنه بدأ بتعزيز القيم والاتجاهات في وقت كان يفترض أن يصرف اهتمامنا للتعليم فقط،ولكم العودة لمناهجنا القديمة ومقارنتها بالحالية،وأقصد بها مناهجنا فيما سبق التسعينات في فترة كانت الأمية متفشية،ركزنا على كثير من القيم مخاطبين مجتمع أمي غير مهيأ وقتها لتطبيقها واستيعابها بعضا منها،كتعزيز التعليم المهني.
كان بإمكان خريج الابتدائية أن يجد وظيفة في مكتب مكيف ومريح،وكنا نهدر أموال طائلة في فتح المعاهد المهنية والنتيجة اضطررنا لإغلاقها،ثم حبسنا أنفسنا في تجربة الماضي رغم تغير المعطيات،ونسينا السبب الحقيقي لقد استوردنا معلب معرب لم تدرك خصوصية وضعنا واحتياجاتنا.الآن وبعد وجود شريحة مثقفة ومتعلمة من العمانيين القادرين على الانتقاء والإبداع والإنتاج مازلنا ننأى بأنفسنا عن مبدعينا ونصر على الاستيراد،والنتيجة التعليم يقف على رأسه والأمية التعليمية والفكرية قادمة.
لا يحق لأحد أن يسأل لماذا بعض من أبناء هذه الأجيال متقاعسين أو أنانيين أو يفتقرون للقيم أو لحب الوطن و الولاء العملي له، ولا يحق لأحد لومهم فنحن بطريقة أو أخرى صنعناهم بأيدنا للأسف.
التربية الوطنية:
التربية الوطنية لابد لها من دائرة خاصة في وزارة التربية ولابد لها من منهج تعاد غربلته و يساهم في وضعه عدد من التربويين و المبدعين والمثقفين العمانيين من كل مناطق السلطنة ليمثل فيها الوطن بكل مناطقه وثقافاتها ولتغرس فيه أن جمال عمان في أنها حضارة جسدت وحدة الاختلاف لقرون في حين غيرها مثل اختلاف رغم الوحدة ،ولا بد أن يضع لها منهجا مستقلا كما تطعم كل المناهج بالروح الوطنية و ثقافة التنوع الثقافي و الحوار والتسامح و قبول الأخر فكلها جزء من شخصية و كيان الإنسان العماني وريث الحضارة الممتدة و الضاربة في عمق التاريخ.و لابد أن سيتم حديث أكثر استفاضة لو أخذت الفكرة محمل الجد ،ومكانه بالطبع ليس أوراق الجرائد بل أورقت وزارة التربية و التعليم.
تدليل المعلم ضرورة لنجاح التعليم:-
لينجح التعليم لدينا لابد من تدليل المعلم و الشدة دون قسوة على التلميذ،والحاصل للأسف ناتج عن عدم إدراكنا هذه الحقيقة و هي رفاهية المعلم و راحته يجب أن تكون هدف للوزارة و ليس إذلاله أو كسر كاهله بالأعباء،كما أن تعليم يدلل التلميذ ويميع المعرفة لن يبني وطنا وربما كثيرون من المعنيين بالشأن التربوي يعرف الكثير عن تلك الندوات التي أقيمت في أمريكا تحت شعار أمة في خطر و إلى ماذا خلصت بخصوص رفاهية التلاميذ.
المعلم ذاك الجند الأساسي و ليس المجهول هو قلب هذه العملية التربوية،أبسط الأشياء في المقارنات بينه وبين موظفي الخدمة المدنية الآخرين أن أولئك الموظفون يستطيعون أن يحصلوا على أجازاتهم السنوية و قتما يشاءون ولكن المعلم مهما كانت ظروفه فإجازته محددة مسبقا و مقرونة بوجود الطلبة وهذا مثال أخر بسيط بعيد عن المهام الأخرى الأكثر عظمة وتضحية.
وهنا يجب أن نعي أن مما سيوصل التعليم لدينا لطريق مسدود هو هذه النظرة المقلوبة في التعامل،التلميذ يدلل و التعليم يميع و المعلم ينهك و يشتت بل و أحيانا يهان فكيف نحقق النجاح أو نحدث تطور و إصلاح في المنظومة التعليمية و لبنته الأساسية هذا هو حاله و وضعه؟!
التعليم العالي هم ليته ينفرج:-
مبالغ مالية وطاقم إداري،وزارة تعليم عالي و مجلس للتعليم العالي ولجان ومؤسسات قطاع عام وقطاع خاص،والوضع لن أقول من سيئ إلى أسوء بل التقدم بطيء جدا،و لن أذهب لبعيد في نفس المنطقة لدينا في محافظة ظفار الكلية التطبيقية (التربية سابقا،وسابقا الكلية المتوسطة)،الكلية التقنية (الفنية سابقا،وسابقا المعهد الفني)،وفي نفس المنطقة توجد أيضا جامعة ظفار،و على بعد بضع كليو مترات معهد التمريض،وهذه المؤسسات تتبع لوزارت عدة كوزارة التعليم العالي و وزارة القوى العاملة و وزارة الصحة والقطاع الخاص!!!!
أليست لنا حكومة واحدة و بها وزارة واحدة مختصة بالتعليم العالي فلماذا كل هذا التشتت،والعجب العجاب مثلا الكلية التقنية والتخصصية لا يفصل بينهما سوى سور وهذه مثلا تدرس تخصص إدارة أعمال وتلك تدرس إدارة أعمال و هن في نفس المنطقة ويتبعن للقطاع الحكومي
لا أريد أن أجري حسبه ولكن طاقم إداري في ثلاث جهات حكومية وطاقم أكاديمي و مباني وخدمات،وعدد طلبة لا يستهان به، فيا مجلس التعليم العالي ألم يحن الأوان لتدمج هذه المؤسسات في مؤسسة واحدة وتصبح لدينا جامعة حكومية أخرى؟! لن تكلف الدولة منشآت ومعامل ولا دراسات وبرامج فقط اكسروا السور الفاصل وغيروا اللافتة وقولوا هنا تتضافر الجهود و يحارب الهدر،وهنا جامعه حكومية أخرى.وسأختصر عند هذا الحد فالشرح يطول لعمق الجرح.
[1] روجرإس.بانكراتز و جوزيف إم.بيتروسكو،ترجمة:أحمدالعمري: جميع الأطفال يستيعون أن يتعلموا دروس مستفادة من خبرة الاصلاح التربوي في كنتكي،مكتبة العبيكان،الرياض2005،بتصرف صص198-199.
[2] نديم البيطار:-حدود الهوية القومية نقد عام،بيسان للنشر والتوزيع والاعلام،بيروت2002،ص23.