المناخ اللاعقلاني...
"إذا لم يكن الناس قادرين على الإدراك الناقد لقضايا عصرهم، و بالتالي غير مؤهلين للتدخل الفعال في مجريات واقعهم، فإن أمواج التغير سوف تجرفهم حيث لا يعلمون،وهم يرون أن الأيام في حالة تغير،ولكنهم غارقون وسط أمواجها।وبذلك لا يستطيعون تمييز دلالاته أو النقطة لتوجهاته الدرامية، ولا شك في أي مجتمع يشهد تحوله من حقبة إلى أخرى، يتطلب على وجه الخصوص تنمية مرنه وروحا ناقدة متماشية مع ذلك التحول.... وحين تدافع النخبة عن الديمقراطية فإنها تقصد ديمقراطية من نوع خاص بهم،ترى أنه حيث لا ينعم الناس بالصحة يحتاجون إلى الدواء،بينما يتمثل جوهر أوجاعهم في رغبتهم المكبوتة لإسماع أصواتهم و للمشاركة في شؤون الحياة...إنه في مثل هذا المناخ الثقافي التاريخي يغدو من المستحيل تماما تجنب الانفعالات العنيفة،ومن ثم يولد هذا المناخ اللاعقلاني" باول فريري
كل ما يحدث الآن في المجتمعات العربية سبق حدوثه في مجتمعات شبيه لنا أو هو شيء موجود بين دفتي كتاب معين أو أقوال فيلسوف،ولكن هناك مشكله في جعل المعلومات موضع تطبيق و تنفيذ النظريات في المجتمع أو في المختبر و هنا يكمن الفارق الشاسع بيننا كمجتمعات نامية و بين الغرب كمجتمعات متطورة هم يستطيعون جمع المعلومة و تحليلها و توظيفها ونحن نتقن عملية تخزين المعلومة.مررنا بتجارب كثيرة و لدينا معطيات كثيرة و كم هائل ربما من المعلومات و لكن لازلنا دون فاعلية حقيقية في تفعيل المعلومة. سأدخل مباشرة في صلب الفكرة فلا أتقن المقدمات ما تمر به بلادنا مناخ لاعقلاني بمعنى أنه مشحون بالانفعالات و بعيد عن النقد الواعي،ورغم أن مثل هكذا مناخ من السهل جدا السيطرة عليه لكونه يمكن التكهن بماهيته و دوافعه فرغم ذلك كل يوم يزداد و يتسع وينتشر و إطالة الزمن ليس في صالح من يحبون الوطن وكل يوم تمضي دون حل جريمة في حق عمان. من أوكلت لهم مهمة إيجاد الحلول و المخارج للأزمة يعانون مشكلات تكمن في: - عدم التنبؤ بردة فعل المحتجين و في المقابل المحتجين يستطيعون التنبؤ بردة فعلهم. - هناك بعضا من الاجتهادات تفسد عليهم عملهم. وفي ذات الوقت يتمتعون بنقطتي قوة: - قدسية جلالة السلطان –حفظه الله- في نفوس العمانيين التي تقي من الكثير من التصرفات التي تحد من عدم قدرتهم. - امتلاكهم للقدرة على اتخاذ القرار. في الوقت الذي يكتسب فيه المعتصمون السلميين الجماهيرية يفقدون النفس الطويل الذي يفترض أن يتسم به أصحاب المطالب لذلك تعلو أصوات من يعتقدون أن العنف هو الحل بفعل التهور أو لغاية في نفس يعقوب وهنا تكمن قوة ضعف المعتصمين لأن الإصغاء للأصوات النشاز ينفر الجمهور منك فمثلا من الخطوات التي روج لها أن تتخذ: - إغلاق مكتب وزير الدولة و محافظ ظفار. هنا المعتصمون راهنوا على أمرين الأول أن مكتب المحافظ ليس وزارة خدمية لذلك حجم تعطل المصالح أقل كما أنه قريب من مكان تجمعهم، والثاني أن هذه الإشارة قد تلفت الانتباه و تعيد الحيوية للاعتصام الذي بدأ يدب فيه الوهن كما يشيع أصحاب الطرح المتهور.ولكن في المقابل المعتصمون عليهم أن يعلموا أن أهل ظفار لا يمتلكون من الصبر الكثير لمن يقطع طريقهم ويعطل مصالحهم ولذلك فلا شك سنشهد عنف و عنف مقابل بين مراجع المكتب و المانع من الدخول إليه و هو تصرف غير عقلاني بلا شك من المعتصمين.في المقابل سيطلب من قوات الأمن التدخل لفك النزاع وعندها ستصبح الجهات الأمنية بين خيارين التفرج أو المشاركة في العنف و في كل الأحوال تشيع حالة من اللاعقلانية في كل الأطراف. ولكن في المقابل فإن الحكمة تكمن في أن تظل الأجهزة الأمنية بعيدة عن الحدث فلا تشارك فيه و لا تراقبه و تتحلى بضبط النفس،في ظل عدم تدخل الجهات الأمنية ستظهر في المقابل عدة أدوار للجان شعبية.يظل الأمر بين شد وجذب وفي الوقت الذي يتحول فيه المعتصمون لقاطعي طرق في نظر الشعب سيقول المعتصمون الحكومة نزلت البلطجية في محاولة للفت انتباه الإعلام الدولي وبعدها سيحتار العالم بأسرة في الحالة العمانية و قد نجر في ظل تدخلات خارجية للفوضى الخلاقة لهم في مجتمعاتنا.وإذا الجيش تدخل سيقال حكومة قهرت شعبها و يتولد شعور بالغصة في النفوس لأن الفطرة البشرية ترفض العنف و تدينه. وفي صحار حسب ما سمعنا فقد كان الخيار عسكريا و العقلانية مفقودة من طرف المعتصمين و عموما ليس الخيار العسكري حلا أمثل وهو ليس حلا في الأساس و لكن ربما كان ضروريا و لابد منه ليستتب الأمن و تستطيع الحكومة في جو من الاستقرار الأمني أن تتبعه بقرارات إصلاحية حقيقية تقوم على: - تغيير شامل في الحكومة بحيث يصبح مجلس الوزراء و المستشاريين كلهم و جوه شابه و أكاديمية مؤهله أتت من منطلق أن التغيير ضرورة حتمية و الشباب أكثر قدره على العطاء. - ضمان الحريات العامة واعتماد الحوار كسياسة. - الاهتمام أكثر بالإنسان العماني وتخصيص الميزانيات و الأموال لذلك تعليما و توظيفا للطاقات و سعي لرفاهيته عن طريق مشاريع واضحة و محدده بجداول زمنية للتنفيذ. - الإعلان عن سقف الصلاحيات المحتمل إعطاءها لمجلس الشورى. و عندها فقط تكون الدولة قدمت الحل الجذري للمشكلة و كانت الأنجح إقليميا و دوليا في قيادة عملية الإصلاح و احتوى الشعب فالعسكر لا يقدمون الحلول و ليس الهدوء بالضرورة يعني استقرار و إذا الحاضر كان رحيما فالتاريخ لا يرحم.